للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيها المسلمون اجتهدوا في هذا الليالي المباركات فإنها فرصة العمر، والفرص لا تدوم، والله أخبر أن ليلة القدر خير من ألف شهر، يعني تزيد على ثمانين عامًا، وهي عمر طويل لو قضاه الإنسان كله في طاعة الله فليلة واحدة، وهي ليلة القدر، خير منه وأفضل، وهذا فضل عظيم وثواب جزيل وخير عميم، من وُفق لها يُغفر له ما تقدم من ذنبه فيكون من الذنوب التي فَعلها كيوم ولدته أمه.

عبدَ الله جِد واجتهد وشمِّر ونافس في الأعمال الصالحة، لعلك تدرك ليلة القدر وتفوز بالعتق والأجر وجائزة الرب، لعلك تكون من المقبولين، لعل الرحيم الرحمن ينظر إليك فيرحمك رحمة لا تشقى بعدها أبدًا، فما هي إلا أيام وساعات فنافس وسارع وسابق أيامًا معدودات، جد فيما بقي منها.

٩ - يختص بمزيد من الطاعات: من فضائل شهر رمضان أن النبي كان يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان، وكان يخصُّ هذا الشهر بمزيدٍ من العبادة. ففي «الصحيحين» (١) عن عائشة : «كَانَ النَّبِيُّ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ». وفي «الصحيحين» (٢) عن أبي سعيد الخدرى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَعْتَكِفُ في الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ - وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ - قَالَ: «مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِف الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ».

قال ابن رجب (٣): فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به، أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية، على كل حال كان بعضهم لا يزال منفردًا فى بيته خاليًا بربه، فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: «أنا جليس من


(١) أخرجه البخاري (٢٠٢٤)، ومسلم (١١٧٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢٠٢٧)، ومسلم (١١٦٧).
(٣) «لطائف المعارف» (٢٠٣).

<<  <   >  >>