للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا كانت السماء مغيمةٌ ثبت بشهادة الواحد، وإن كانت مصحية لم يثبت بواحد ولا اثنين، ولا يثبت إلا بعدد الاستفاضة. وهذا القول لا يعرج عليه؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، ولجواز أن يراه البعض لحسن نظره، والله أعلم.

• المبحث الرابع: بكم رجل يثبت هلال شوال؟

قال ابن عبد البر (١): أَجْمَعَ الْعُلماءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ في شَهَادَةِ شَوَّالٍ في الْفِطْرِ إِلَّا رَجُلَانِ عَدْلَانِ.

فعن ربعى بن خِرَاش عن بعض أصحاب رسول الله قال: «أَصْبَحَ النَّاسُ لِتَمَامِ ثلاثين يومًا فَجَاءَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا أَنَّهُمَا أَهَلَّاهُ بِالْأَمْسِ عَشِيَّةً، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُفْطِرُوا» (٢).

وذهب أبو ثور وابن حزم والشوكاني: إلى أنه يُقبل في شهادة هلال شوال رجل عدل (٣).

واستدلوا لهذا القول بالسنة والمأثور والمعقول:

أما دليلهم من السنة: فعن ابن عمر ﴿قال: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي رَأَيْته، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ.

واعترض عليه: بأن هذا في هلال رمضان، ولا يقاس هلال رمضان على هلال شوال؛ لأنه ثبت بالإجماع أنه لا يُقبل في شهادة هلال شوال في الفطر إلا رجلان عدلان، كما حكاه ابن عبد البر وغيره.


(١) «التمهيد» (١٤/ ٣٥٦)، وقال الترمذي «السنن» (٣/ ٦٦): وَلم يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلم فِي الْإِفْطَارِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ. وقال ابن قدامة «المغني» (٤/ ٤١٩): إنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ إلَّا شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ جَمِيعِهِمْ إلَّا أَبَا ثَوْرٍ.
(٢) صحيح: أخرجه أحمد في «المسند» (٤/ ٤١٣)، وأبو داود «السنن» (٢٣٣٩) وغيرهما من طرق عن سفيان وأبي عوانة عن منصور عن ربعي به، وأخرجه الطبراني «الكبير» (١٧/ ٦٦٣)، والبيهقي «الكبرى» (٤/ ٢٤٨)، وغيرهما من طرق عن إسحاق بن إسماعيل عن ابن عيينة عن منصور عن ربعي عن أبي مسعود … وذكر الحديث، وإسحاق الطالقاني ثقة والخلاف في الصحابي لا يضر.
(٣) «المحلى» (٦/ ٢٣٥)، و «نيل الأوطار» (٤/ ٢٦٦).

<<  <   >  >>