للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا يجوز على رؤية الهلال إلا رجلان (١).

• القول الثالث: قال أبو حنيفة: إن كانت السماء مغيمة، ثبت بشهادة واحد، ولا يثبت غير رمضان إلا باثنين، وقال: (إن كانت السماء مصحية، لم يثبت رمضان بواحد ولا باثنين، ولا يثبت إلا بعدد الاستفاضة).

واحتج لأبي حنيفة بأنه يبعد أن تنظر الجماعة الكبيرة إلى مطلع الهلال وأبصارهم صحيحة، ولا مانع من الرؤية، ويراه واحد أو اثنان دونهم (٢).

والجواب عما احتج به أبو حنيفة من وجهين (٣):

أحدهما: أنه مخالف للأحاديث الصحيحة فلا يعرج عليه.

الثانى: أنه يجوز أن يراه بعضهم دون جمهورهم؛ لحسن نظره أو لغير ذلك، وليس هذا ممتنعًا؛ ولهذا لو شَهِدَ برؤيته اثنان أو واحد، وحكم به حاكمٌ لم يُنقض بالإجماع، ووجب الصوم بالإجماع، ولو كان مستحيلًا لم ينفذ حكمه ووجب رده.

والراجح: أنه إذا رأى هلال رمضان واحد عدل صام الناس بقوله لحديث ابن عمر ﴿قال: «تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي رَأَيْته، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» وهذا الحديث يدل على أن النبي أمَر الناس بالصيام بشهادة ابن عمر ولم يطلب شاهدًا آخر.

وذهب مالك إلى أنه لابد من شاهديْ عدل، واستدل لذلك بقول النبي «وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلمانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا».

وأُجِيبَ بأن هذا الحديث لا يصح، ثم لو صح فليس فيه دلالة،؛ لأنه ليس فيه عدم قبول خبر الواحد، وإنما غاية ما فيه أن التصريح بالإثنين، فيه دلالة على عدم قبول خبر الواحد بالمفهوم، وحديث ابن عمر منطوقٌ فيُقَدَّم المنطوق على المفهوم عند جماهير الأصوليين، ثم إن مفهوم المخالفة ضعيف في الاستدلال.


(١) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (٧٣٤٦، ٧٣٤٨).
(٢) «المجموع» للنووي (٦/ ٢٨٢).
(٣) «المجموع» للنووي (٦/ ٢٨٣).

<<  <   >  >>