للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخاف ضررًا أو يجد مشقة، واعتمدوا في ذلك حديث أبي سعيد: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى المفْطِرِ، وَلَا المفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ»، وهذا صريح في ترجيح مذهب الأكثرين، وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة.

قال ابن العربي: والصحيح أن الصوم أفضل لعموم قوله : ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾. وأما فطر النبي فإنه روي في الصحيح، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فطرك. فأفطَرَ، ولا خلاف في أن من شقَّ عليه الصوم فله الفطر.

قال ابن حجر (١): قال آخَرُونَ: هُوَ مُخَيَّرٌ مُطْلَقًا. وَقال آخَرُونَ: أَفْضَلُهُمَا أَيْسَرُهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ﴾، فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ أَيْسَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ الصِّيَامُ أَيْسَرَ - كَمَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ - فَالصَّوْمُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَاخْتَارَهُ اِبْنُ المنْذِرِ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

قلت: فالحاصل أن الصوم لمن قَوِي عليه أفضل من الفطر.

• المطلب الرابع: متى يفطر المسافر ومتى يُمْسِك؟

وفيه مسائل: المسألة الأولى: لا يجوز للمسافر أن يُبيِّت النية بالإفطار ويصبح مفطرًا قبل أن يشرع في السفر باتفاق العلماء.

قال القرطبى (٢): المسافر في رمضان لا يجوز له أن يُبيّت الفطر؛ لأن المسافر لا يكون مسافرًا بالنية، بخلاف المقيم، وإنما يكون مسافرًا بالعمل والنهوض، والمقيم لا يفتقر إلى عمل؛ لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيمًا في الحين؛ ولأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل فافترقا؛ ولا خلاف بينهم في الذي يؤمل السفر لا يجوز له أن يُفطرَ قبل أن يخرج.


(١) «فتح الباري» (٤/ ٢١٦).
(٢) «الجامع لأحكام القرآن» (٢/ ٢٧٨)، وانظر: «الاستذكار» (١٠/ ٨٩).

<<  <   >  >>