للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: وَقال أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ جُنَّ جَمِيعَ الشَّهْرِ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفَاقَ في أَثْنَائِهِ قَضَى مَا مَضَى؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ جُنَّ في أَثْنَاءِ الصَّوْمِ لم يَفْسُدْ، فَإِذَا وُجِدَ في بَعْضِ الشَّهْرِ، وَجَبَ الْقَضَاءُ كَالْإِغْمَاءِ.

والراجح أن المجنون إذا أفاق أثناء الشهر لا يلزم بقضاء ما مضى ويصوم الأيام الآتية، والله أعلم.

• المطلب الرابع: إذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أثناء النهار، هل يلزمهم إمساكُ بقية اليوم؟

• اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوالٍ:

القول الأول: أنه يجب عليه أن يُمسِكَ بقية يومه ويقضيه، وهو قول أحمد في رواية، وبه قال إسحاق (١). واستدلوا بالسنة والقياس:

أما دليلهم من السنة: فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلمةَ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ أَسْلم أَتَتْ النَّبِيَّ فَقَالَ: «صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟». قَالُوا: لَا. قَالَ: «فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوهُ» (٢). ولكن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله .

وأما دليلهم من القياس: فقاسوا الصيام على الصلاة: قالوا: لأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْعِبَادَةِ فَلَزِمَتْهُ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ. وقالوا بأنه عليه قضاء يوم مكانه؛ لأن إسلامَه في بعض النهار يُوجِبُ عليه صيام ما بقي.

واعْتُرِضَ عليه بحديث عاشوراء بأن النبي أَمَر مَنْ أكل أن يتم بقية يومه، ولم يصح عن رسول الله أنه أمرهم بالقضاء.

القول الثانى: قال مالك والشافعي وابن المنذر وأبو ثور: لا قضاء عليه ولا إمساك.


(١) «المغني» (٤/ ٤١٥)، وكتاب الصيام لشيخ الإسلام ص (٥٢).
(٢) ضعيف: مدار الحديث على شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه به، واختلف على شعبة، فرواه عنه: يزيد بن زريع بزيادة: (واقضوه): أخرجه أبو داود (٢٤٤٧)، وخالف يزيد بن زريع (محمد بن جعفر، ومعاذ بن معاذ، وروح بن عبادة، وغيرهم، بدون زيادة (واقضوه). وأخرجه النسائي «الكبرى» (٢/ ١٦٠)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٦/ ٤٤)، وغيرهما، وصحح أبو حاتم الرواية التي بدون ذكر (واقضوه) كما في «العلل» (١/ ٣٦١). وعلى كلٍّ فمدار الحديث على عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه، ولا يُعرف هو ولا عمه، وقد ضعف الحديث شيخ الإسلام وابن الجوزي وعبد الحق وغيرهم.

<<  <   >  >>