وَلِأَنَّهُ يَتَعَرَّضُ بِذَلِكَ لِإِيصَالِ الماءِ إلَى حَلْقِهِ، فَإِنْ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ. وَهَلْ يُفْطِرُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُفْطِرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ المبَالَغَةِ حِفْظًا لِلصَّوْمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ وَصَلَ بِفِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ التَّعَمُّدَ.
والثانى: لَا يُفْطِرُ بِهِ; لِأَنَّهُ وَصَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ.
• الحاصل في المسألة:
أولاً: لا تفطر المضمضة والاستنشاق بالنص والإجماع.
ثانيًا: من تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف، فلا شيء عليه.
ثالثًا: إذا تمضمض أو استنشق فبالغ في ذلك فوصل الماء إلى حلقه من غير قصد، فقد فعل مكروهًا، وخالف أمر النبي ﷺ حيث قال: «وَبَالِغْ في الاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» ولا يفطر بذلك؛ لأنه غير عامد.
• المبحث الثالث: الداخل إلى الجسم عن طريق العين، وفيه: هل يباح الكحل للصائم؟
للعلماء في ذلك قولان:
• القول الأول: ذهب الحنفية والشافعية وابن حزم إلى أنه لا بأس بالكحل للصائم، حتى وإن وجد طعمه في حلقه، لأنه ليس للعين منفذ إلى الجوف (١).
واستدلوا لذلك بالسنة والمأثور والمعقول:
أما دليلهم من السنة: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنِي أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» (٢).
(١) قال الكاساني «بدائع الصنائع» (٢/ ١٠٦): وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ الصَّائِمُ بِالْإِثْمِدِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ فَعَلَ لَا يُفْطِرُهُ، وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلماءِ. انظر: «المبسوط» (٣/ ٦٧)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٢٢١)، و «تحفة المحتاج» (١/ ٥١٣)، و «المحلى» (٦/ ٢٠٣).
(٢) ضعيف: أخرجه الترمذي (٧٢٦) وغيره، وفي إسناده: أبو عاتكة ضعيف، قال أبو عيسى: حديث أنس حديث ليس إسناده بالقوى، ولا يصح عن النبي ﷺ في هذا الباب حديث.