للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بما رواه البخاري ومسلم (١) عن عائشة : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ.

وجه الدلالة: ما قاله الحافظ ابن حجر (٢): وفيه (أي: في حديث عائشة): أَنَّ أَوَّل الْوَقْت الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ المعْتَكِفُ، بَعْد صَلَاة الصُّبْح، وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ، وَقَالَ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَطَائِفَةٌ: يَدْخُل قُبَيْل غُرُوب الشَّمْس. وَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَوَّل اللَّيْل، وَلَكِنْ إِنَّمَا تَخَلَّى بِنَفْسِهِ في المكَان الَّذِي أَعَدَّهُ لِنَفْسِهِ بَعْد صَلَاة الصُّبْح.

• القول الثاني: ذهب أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد في رواية، إلى أن وقت دخول المعتكف المسجد قبل غروب شمس يوم عشرين من رمضان.

قال النووي (٣): قال مالك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد: يَدْخُل فِيهِ قَبْل غُرُوب الشَّمْس إِذَا أَرَادَ اِعْتِكَاف شَهْر أَوْ اِعْتِكَاف عَشْر، وَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ المعْتَكَف، وَانْقَطَعَ فِيهِ، وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْد صَلَاته الصُّبْح، لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْت اِبْتِدَاء الِاعْتِكَاف، بَلْ كَانَ مِنْ قَبْل المغْرِب مُعْتَكِفًا لَابِثًا في جُمْلَة المسْجِد، فَلما صَلَّى الصُّبْح اِنْفَرَدَ.

• المبحث الثالث: وقت خروج المعتكف من المسجد:

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

• القول الأول: ذهب الإمام مالك (٤)، والإمام أحمد (٥) إلى أن المعتكف يبيت في


(١) أخرجه البخاري (٢٠٣٣)، ومسلم (١١٧٣) واللفظ له.
(٢) «فتح الباري» (٤/ ٣٢٥).
(٣) «شرح مسلم» للنووي (٨/ ٢٤٠)، وانظر: «البحر الرائق» (٢/ ٥٠٣)، «المدونة» (٢/ ٢٣٨)، «الفروع» (٣/ ١٧٠).
(٤) عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ رَأَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِلم إِذَا اعْتَكَفُوا الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى أَهَالِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا الْفِطْرَ مَعَ النَّاسِ. وقال مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ. «الموطأ» (١/ ٣٣٦)
(٥) قال ابن قدامة في «المغني» (٤/ ٤٩٠): وَمَنْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، اُسْتُحِبَّ أَنْ
يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. قلت: وقد ورد هذا الفعل عن ابن عمر وأبي قلابة وغيرهما، وروى ابن أبي شيبة (٣/ ٩٢) عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يكون غدوة منه إلى العيد.

<<  <   >  >>