للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: كراهية حمل السلاح يوم العيد]

روى البخاري (١): عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ في أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ فَقال الْحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلم مَنْ أَصَابَكَ. فَقال ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي. قال: وَكَيْفَ؟! قال: حَمَلْتَ السِّلَاحَ في يوم لم يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ الْحَرَمَ، وَلم يَكُنْ السِّلَاحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ.

قال ابن بطال (٢): قول ابن عمر: (حَمَلْتَ السِّلَاحَ في يوم لم يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ) يدل أن حملها ليس من شأن العيد، وحملها في المشاهد التي يحتاج إلى الحمل فيها مكروه؛ لما يخشى فيه من الأذى والعقر عند تزاحم الناس، فإن خافوا عدوًّا فمباح حملها كما قال الحسن.

قال المهلب: وقد أباح الله حمل السلاح في الصلاة عند الخوف فقال تعالى: ﴿وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ وقوله: (أُمرت بحمل السلاح في الحرم ولم يكن يدخل فيه) إنما ذلك للأمن الذي جعله الله لجماعة المسلمين فيه لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾، وقوله للحجاج: (أنت أصبتني) دليل على قطع الذرائع؛ لأنه لامه على ما أدّاه إلى أذاه، وإن كان لم يقصد الحجاج ذلك.

قال الحافظ: هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تُخَالِفُ في الظَّاهِرِ التَّرْجَمَةَ المتَقَدِّمَةَ وَهِيَ بَابُ الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُهَا، وَهَذِهِ دَائِرَة بَين الْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم لقَوْل ابن عُمَرَ في يوم لَا يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُ السِّلَاحِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْحَالَةِ الْأُولَى عَلَى وُقُوعِهَا مِمَّنْ حَمَلَهَا بِالدُّرْبَةِ وَعُهِدَتْ مِنْهُ السَّلَامَةُ مِنْ إِيذَاءِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِهَا وَحَمْلِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى وُقُوعِهَا مِمَّنْ حَمَلَهَا بَطَرًا وَأَشَرًا، أَوْ لم يَتَحَفَّظْ حَالَ حَمْلِهَا وَتَجْرِيدِهَا مِنْ إِصَابَتِهَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ.


(١) أخرجه البخاري (٩٦٦، ٩٦٧).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٢/ ٥٥٩).

<<  <   >  >>