للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• المطلب الثاني: ما حد السفر الذى يباح للصائم الفطر به؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوالٍ (١):

• القول الأول: قال أبو حنيفة: لا يجوز للمسافر أن يفطر إلا في سفر يبلُغُ ثلاثة أيامٍ (٢).

واستدلوا لذلك بما ورد في «الصحيحين» (٣): عن ابن عمر ﴿قال: قال رسول الله : «لَا تُسَافِرِ المرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».

وجه الدلالة منه: أن منطوقه أن المرأة لا تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذى محرم، والمفهوم المخالف أنه يجوز لها أن تسير وحدها يومين بدون محرم، وإذا كان يجوز ذلك، فهذا معناه أن هذا ليس بسفر، وأن أقل السفر ثلاثة أيام.

وروى مسلم (٤) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ المسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ . فَسَأَلْنَاهُ فَقال: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلمسَافِرِ وَيوما وَلَيْلَةً لِلمقِيمِ».

وجه الدلالة: ما قاله الكاساني (٥) بعد ذكر هذا الحديث: ولن يُتصوَّرَ أن يمسحَ المسافر ثلاثة أيامٍ ولياليها، ومدة السفر أقل من هذه المدة.

واعْتُرِضَ على هذين الدليلين بما قاله شيخ الإسلام (٦): فالذين قالوا: (ثلاثة أيام) احتجوا بقوله : «يَمْسَحُ المسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ»، وقد ثبت عنه أنه قال: «لَا


(١) قال ابن رشد «بداية المجتهد» (٦/ ٢٦٣): والسبب في اختلافهم معارضة ظاهر اللفظ للمعنى، وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل ما ينطلق عليه اسم مسافر فله أن يفطر؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة، ولما كان الصحابة كأنهم مجمعون على الحد في ذلك، وجب أن يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلاة.
(٢) «بدائع الصنائع» (١/ ٩٣)، «المبسوط» (١/ ٢٣٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٠٨٨)، ومسلم (١٣٣٨).
(٤) أخرجه مسلم (٢٧٦).
(٥) «بدائع الصنائع» (١/ ٩٣).
(٦) «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ٣٨).

<<  <   >  >>