للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تُسَافِرِ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا ومَعها ذو مَحرم».

وقد ثبت في «الصحيحين» أنه قال: «مَسِّيرة يومين»، وثبت في الصحيح: «مَسّيرِةَ يوم»، وفى «السنن»: «بريدًا» فدل على أن ذلك كله سفر، وإذنه له في المسح ثلاثة أيام هو تجويز لمن سافر ذلك، وهو لا يقتضي أن ذلك أقل السفر، كما أذِنَ للمقيم أن يمسح يومًا وليلة، وهو لا يقتضى أن ذلك أقل الإقامة.

قال ابن قدامة (١): وقول النبي : «يَمْسَحُ المسَافِرُ عَلَى ثَلَاثَة أَياَمٍ» جَاءَ لِبَيَانِ أَكْثَرِ مُدَّةِ المسْحِ؛ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ هَاهُنَا، وَعَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُهُ قَطْعُ المسَافَةِ الْقَصِيرَةِ في ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ سَفَرًا، فَقَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليوم الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يوم إِلَا مَعَ ذِيِ مِحرِم».

• القول الثانى: قال مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز للمسافر أن يفطر إلا في سفر يبلغ مسيرة يومين وهو أربعة أبرد، كل بريد أربعة فراسخ، فذلك ستة عشر فرسخًا، والفرسخ ثلاثة أميالٍ فيكون ثمانية وأربعين ميلًا (٢).

استدلوا لهذا القول بالسنة والمأثور:

أما دليلهم من السنة: فعن ابن عباس ﴿قال: قال رسول الله : «يَا أَهْلَ مَكَّةَ، لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ في أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ» (٣).


(١) «المغني» (٣/ ١٠٨) قال ابن حزم «المحلى» (٥/ ١٦): أَخْبِرُونَا عَنْ قَوْلِكُمْ: إنْ سَافَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَصَرَ وَأَفْطَرَ، وَإِنْ سَافَرَ أَقَلَّ لم يَقْصُرْ وَلم يُفْطِرْ: مَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الأَيَّامُ؟ أَمْ أسَيْرُ الرَّاكِبِ المجِدِّ؟ أَمْ سَيْرُ الْبَرِيدِ؟ أَمْ مَشْيُ الرَّجَّالَةِ؟ وَقَدْ عَلمنَا يَقِينًا أَنَّ مَشْيَ الرَّاجِلِ الشَّيْخِ الضَّعِيفِ فِي وَحْلٍ وَوَعِرٍ، أَوْ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ - خِلَافُ مَشْيِ الرَّاكِبِ عَلَى الْبَغْلِ المطِيقِ فِي الرَّبِيعِ فِي السَّهْلِ، وَأَنَّ هَذَا يَمْشِي فِي يوم مَا لَا يَمْشِيهِ الآخَرُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ. وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَحْدِيدِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا دُونَ سَائِرِهِ إلاَّ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ.
(٢) «الموطأ» (٣٧٩)، و «المجموع» (٤/ ٣٢٢)، و «المغني» (٣/ ١٠٥)، (٤ برد، والبريد أربعة فراسخ ٤ برد = ١٦ فرسخًا، والفرسخ = ٣ أميال. ١٦ فرسخًا = ٤٨ ميلًا، والميل يقدر الآن بما يساوى ١٦٠٩ من الأمتار، انظر: «المعجم الوجيز» (ص ٥٩٧). ٤٨ ميلًا = ٤٨ × ١٦٠٩ كيلو متر = ٧٧. ٢٣٢ كيلو مترًا.
(٣) ضعيف: أخرجه الدارقطني في «السنن» (١/ ٣٨٧)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ١٣٧)، وضعفه، والطبراني في «الكبير» (١١ ص ٩٦)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه وعطاء بن أبي رباح به. قال الحافظ في التلخيص: عبد الوهاب متروك، ورواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين ضعيفة.

<<  <   >  >>