للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا» وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ. وقد استدل ابن حزم على مذهبه الباطل بآثار منكرة وضعيفة، فقد روى الطحاوي «شرح معاني الآثار» (٢/ ٦٣)، وغيره عن عبد الله بن عامر: أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُعِيدَ. وفي إسناده عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف وأخرجه ابن أبي شيبة «المصنف» (٣/ ١٨)، وفي إسناده مجهولان.
٢ - عن أبي سلمة قال: «نهتني عائشة أن أصوم في السفر». منكر: أخرجه ابن حزم في «المحلى» (٦/ ٢٥٦)، وفى إسناده عمر بن أبي سلمة، وفيه مقال. وهو معارض بما صح عن عائشة خلافه وهو ما وراه الثقات فقد روى عروة ابن الزبير، والقاسم بن محمد، وعبد الرحمن بن القاسم، وابن أبي مليكة «أن عائشة كانت تصوم في السفر» كما عند عبد الرزاق (٤٤٩٦) والبيهقي «الكبرى» (٤/ ٣٠١)، والطحاوي «شرح معاني الآثار» (٢/ ٧٠)، وغيرهم.
٣ - عن ابن عباس: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَامَ رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ؟ فَقَالَ: لَا يُجْزِيِهِ» منكر: أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ١٨)، وفى إسناده عمران القطان، وإن كان متكلما فيه إلا أنه قد يحسَّن حديثه، ولكنه معارض بما صح عن ابن عباس. أولًا: قد روى البخاري (١٩٤٨) وغيره عن ابن عباس ﴿قال: «قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ».
ثانيا: أخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (٣/ ١٤) بإسناد صحيح، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: «عُسْرٌ وَيُسْرٌ، خُذْ بِيُسْرِ اللهِ عَلَيْك»، وصح عنه «الإفطار في السفر عزيمة» فالثابث عن ابن عباس جواز الصيام في السفر.
٤ - عَنِ المحْرَّر بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صُمْت رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، فَأَمَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ أُعِيدَ الصِّيَامَ فِي أَهْلِي. أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ١٨)، وفي إسناده المحرر: مجهول.
٥ - عن عبد الرحمن بن عوف قال: «الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالمفْطِرِ فِي الْحَضَرِ»، أخرجه النسائي (٤/ ١٨٣) بإسناد صحيح. الحاصل أن معنى قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ لا يفيد وجوب الفطر في السفر بل هي رخصة. قال ابن المنذر: وفيه دليل أن أمره تعالى للمسافر بعدة من أيام أخر إنما هي لمن أفطر. اه، وقد صح أن النبي صام في السفر.
قال ابن عبد البر: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّخْيِيرُ لِلصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ فِي سَفَرِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ. وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ مِنْ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ. اه
قلت: وأما الأحاديث التي تفيد النهي عن الصوم في السفر، فمحمولة على أمرين:
الأول: من شق عليه الصيام في السفر. والثاني: على من أعرض عن قبول الرخصة، والله أعلم.

<<  <   >  >>