للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن حجر (١): وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله: «يُطْعِمنِي وَيَسْقِينِي»: فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَقِيقَته وَأَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامِ وَشَرَاب مِنْ عِنْد الله كَرَامَةً لَهُ فِي لَيَالِي صِيَامه.

وَتَعَقَّبَهُ اِبْن بَطَّال وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا، وَبِأَنَّ قَوْله «يَظَلُّ» يَدُلُّ عَلَى وُقُوع ذَلِكَ بِالنَّهَارِ فَلَوْ كَانَ الْأَكْل وَالشُّرْب حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ صَائِمًا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاجِح مِنْ الرِّوَايَات لَفْظ «أَبِيت» دُون «أَظَلُّ»، وَعَلَى تَقْدِير الثُّبُوت فَلَيْسَ حَمْلُ الطَّعَام وَالشَّرَابِ عَلَى الْمَجَاز بِأَوْلَى لَهُ مِنْ حَمْلِ لَفْظ أَظَلُّ عَلَى الْمَجَازِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يُؤْتَى بِهِ الرَّسُولُ عَلَى سَبِيل الْكَرَامَة مِنْ طَعَام الْجَنَّة وَشَرَابِهَا لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُكَلَّفِينَ فِيهِ، كَمَا غُسِلَ صَدْرُهُ فِي طَسْت الذَّهَب، مَعَ أَنَّ اِسْتِعْمَال أَوَانِي الذَّهَب الدُّنْيَوِيَّة حَرَامٌ.

وَقَالَ اِبْن الْمُنَيِّر فِي الْحَاشِيَة: الَّذِي يُفْطِرُ شَرْعًا إِنَّمَا هُوَ الطَّعَام الْمُعْتَادُ، وَأَمَّا الْخَارِق لِلْعَادَةِ كَالْمُحْضَرِ مِنَ الْجَنَّة فَعَلَى غَيْر هَذَا الْمَعْنَى.

قَالَ الْجُمْهُور: قَوْله: «يُطْعِمنِي وَيَسْقِينِي» مَجَاز عَنْ لَازِم الطَّعَام وَالشَّرَاب وَهُوَ الْقُوَّة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُعْطِينِي قُوَّة الْآكِل وَالشَّارِب، وَيُفِيض عَلِيّ مَا يَسُدّ مَسَد الطَّعَام وَالشَّرَاب وَيَقْوَى عَلَى أَنْوَاع الطَّاعَة مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الْقُوَّة وَلَا كَلَالٍ فِي الْإِحْسَاس، أَوْ الْمَعْنَى إِنَّ الله يَخْلُقُ فِيهِ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَا يُغْنِيهِ عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب، فَلَا يُحِسُّ بِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ، وَالْفَرْق بَيْنه وَبَيْن الْأَوَّل أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّل يُعْطَى الْقُوَّةَ مِنْ غَيْر شِبَعٍ وَلَا رِيٍّ مَعَ الْجُوع وَالظَّمَأ، وَعَلَى الثَّانِي يُعْطَى الْقُوَّة مَعَ الشِّبْع وَالرِّيّ، وَرَجَّحَ الْأَوَّل بِأَنَّ الثَّانِي يُنَافِي حَال الصَّائِم وَيُفَوِّت الْمَقْصُود مِنْ الصِّيَام وَالْوِصَال؛ لِأَنَّ الْجُوع هُوَ رُوح هَذِهِ الْعِبَادَة بِخُصُوصِهَا (٢).


(١) «فتح الباري» (٤/ ٢٤٤).
(٢) «فتح الباري» (٤/ ٢٤٤، ٢٤٥).

<<  <   >  >>