قال في «الإنصاف» (٣/ ١٩٩): أو احتقن أو داوى الجائفة بما يصل إلى جوفه فسد صومه، وهو المذهب وعليه الأصحاب.(٢) «الفتاوى» (٢٥/ ٢٣٣). وتتمة ما قاله شيخ الإسلام: وَاَلَّذِينَ قَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُفْطِرُ، كَالْحُقْنَةِ وَمُدَاوَاةِ المأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، لم يَكُنْ مَعَهُمْ حُجَّةٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ بِمَا رَأَوْهُ مِنَ الْقِيَاسِ، وَأَقْوَى مَا احْتَجُّوا بِهِ قَوْلُهُ: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» قَالُوا: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَعَلَى الْقِيَاسِ كُلُّ مَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَغَيْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ حَشْوِ جَوْفِهِ. وَإِذَا كَانَ عُمْدَتُهُمْ هَذِهِ الْأَقْيِسَةَ وَنَحْوَهَا لم يَجُزْ إفْسَادُ الصَّوْمِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ لِوُجُوهِ:أَحَدُهَا: أَنَّ الْقِيَاسَ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً - إذَا اُعْتُبِرَتْ شُرُوطُ صحتِهِ - فَقَدْ قُلْنَا فِي الْأُصُولِ: إنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ كُلَّهَا بَيَّنَتْهَا النُّصُوصُ أَيْضًا، وَإِنْ دَلَّ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ دِلَالَةً خَفِيَّةً، فَإِذَا عَلمنَا بِأنَّ الرَّسُولَ لم يُحَرِّمْ الشَّيْءَ وَلم يُوجِبْهُ، عَلمنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا وَاجِب، وَأَنَّ الْقِيَاسَ المثْبِتَ لِوُجُوبِهِ وَتَحْرِيمِهِ فَاسِدٌ، وَنَحْنُ نَعْلم أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِفْطَارِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْفِقْهِ، فَعَلمنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مُفْطِرَةً.الثَّانِي: أَنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي تَحْتَاجُ الْأُمَّةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهَا الرَّسُولُ ﷺ بَيَانًا عَامًّا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقُلَهَا الْأُمَّةُ، فَإِذَا انْتَفَى هَذَا عُلم أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ دِينِهِ، وَهَذَا كَمَا يُعْلم أَنَّهُ لم يَفْرِضْ صِيَامَ شَهْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلَا حَجَّ بَيْتٍ غَيْرِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَلَا صَلَاةً مَكْتُوبَةً غَيْرَ الْخَمْسِ.الْوَجْهُ الثَّالِثُ: إثْبَاتُ التَّفْطِيرِ بِالْقِيَاسِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ صحيحًا، وَذَلِكَ إمَّا قِيَاسُ عِلَّةٍ بِإِثْبَاتِ الْجَامِعِ، وَإِمَّا بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ، فَإِمَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ فَيُعَدَّى بِهَا إلَى الْفَرْعِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْلم أَنْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَوْصَافِ المعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا الْقِيَاسُ هُنَا مُنْتَفٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ المفَطِّرَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مُفَطِّرًا هُوَ مَا كَانَ وَاصِلًا إلَى دِمَاغٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ مَا كَانَ داخلًا مِنْ مَنْفَذٍ أَوْ وَاصِلًا إلَى الْجَوْفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ المعَانِي الَّتِي يَجْعَلُهَا أصحاب هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ هِيَ مَنَاطَ الْحُكْمِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute