للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي».

دل ذلك: على أن الصائم مأمورٌ بترك الأكل، والشرب، والشهوة، ومن قبَّل أو استمنى، فأنزل؛ فإنه لم يَدَع الشهوة (١).

• القول الآخر: ذهب ابن حزم إلى أن من قَبَّل امرأته أو استمنى بيده، فأنزل، أنه لا قضاء عليه ولا كفارة (٢).

واستدل لذلك ببراءة الذمة، أو استصحاب العدم الأصلي، وهو أنه لم يَرد دليل يوجب على من قبَّل أو استمنى فأنزل - قضاءً ولا كفارةً، إذ أن أصول المفطرات ثلاثة: الأكل والشرب والجماع، وهذا ليس منها.

قال ابن حزم: وَأَمَّا الِاسْتِمْنَاءُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ يَنْقُضُ الصَّوْمَ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ … ثُمَّ يَنْقُضُهُ بِمَسِّ الذَّكَرِ إذَا كَانَ مَعَهُ إمْنَاءٌ.

واعترض عليه: بأن الدليل ورد بقوله «يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي» والذى يستمني لم يدع الشهوة؛ لأن معنى شهوته في الحديث تعمُّ الجماع ونزول المني بقبلة أو استمناء.

واستدلوا بما ورد عن جابر بن زيد أنه قال: «إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ» (٣).

وهذا الأثر أورده البخاري ليستدل به على أن الاستمناء بسبب الشهوة لا ينقض الصوم، ولا فَرْقَ في الحكم بين النظر والمباشرة في كونها سببًا في الإنزال.

وأُجِيبَ عن هذا: بأن هناك فَرقًا بين النظر وبين الاستمناء وبين الفكر، ولذلك قد


(١) والدليل على أن إخراج المنى شهوة قول الرسول : «وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِى أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِى حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِى الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». والذى يُوضع هو المنى. انظر «الشرح الممتع» (٦/ ٣٨٧).
(٢) قال ابن حزم في «المحلى» (٦/ ٢٠٣): وَلَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ حِجَامَةٌ، وَلَا احْتِلَامٌ، وَلَا اسْتِمْنَاءٌ، وَلَا مُبَاشَرَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، تَعَمَّدَ الإِمْنَاءَ أَمْ لَمْ يُمْنِ.
(٣) أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (١/ ٣٣) باب القبلة للصائم ووصله ابن أبي شيبة في «المصنف» (٣/ ٧٠).

<<  <   >  >>