للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا لذلك بما روى مسلم (١) عن أبي هريرة أن النبي «أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا».

وجه الدلالة: «أو» حرف تخيير بين العتق والصيام والإطعام، وبأيهما كفر أجزأه، والمراد بالتخيير أن يفعل منها ما شاء ابتداءً من غير عجز عن الآخر.

واعْتُرِضَ على هذا الاستدلال بأن «أو» للتقسيم هنا، تقديره يعتق أو يصوم إن عجز عن العتق، أو يطعم إن عجز عن الصيام.

قال النووي «شرح مسلم»: لَفْظَة «أَوْ» هُنَا لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، تَقْدِيره: يُعْتِق أَوْ يَصُوم إِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْق، أَوْ يُطْعِم إِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا. وَتُبَيِّنُهُ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ.

الراجح: أن الكفارة مرتبة ككفارة الظهار، والكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا؛ لحديث أبي هريرة، أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فَاسْتَفْتَى النبيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟». قَالَ: لَا. قَالَ: «تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟». قَالَ: لَا. قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا».

وأما حديث أن النبي «أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا».

فهذا الحديث مجمل. والآخر مفصل، فيُحمل المجمل على المفصل.

ولفظة «أو» هنا للتقسيم لا للتخيير، تقديره: يعتق أو يصوم إن عجز عن العتق، أو


(١) أخرجه مسلم (٨٤) (١١١١). قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الرجل يجامع أهله في شهر رمضان؟ قال: اختلفوا في حديث الزهري: فقال مالك، وابن جريج، عن الزهري في الحديث: عليه عتق رقبة، أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكينًا، على التخيير. قال أبي: وخالفهما ابن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وغيرهما، فقالوا عن الزهري في الحديث: عليه عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر على الصيام، فإطعام ستين مسكينًا - خالفوهما - ولم يقل: يقولان على التخيير، والحيطة عندي فيما قال هؤلاء.
وأما مالك، وابن جريج، فحافظان، ابن جريج سمعه من الزهري، يقول: حدثنا ابن شهاب، مالك وابن جريج مستثنيان. في «مسائل عبد الله بن أحمد ص ١٨٩».

<<  <   >  >>