للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفسد صوم رمضان بجماع تام، فوجبت عليه الكفارة (١).

• القول الثالث: لا قضاء ولا كفارة، وهو قول أحمد في رواية، اختارها شيخ الإسلام، وقال: وهَذَا قَوْلُ طَوَائِفَ مِنَ السَّلَفِ: كَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ، وَدَاوُدَ، وَأَصحابِهِ وَالْخَلَفِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: مَنْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا طُلُوعَ الْفَجْرِ، ثُمَّ تبيَّن لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْه.

واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧].

وجه الدلالة من الآية: أن الله قد أباح الأكل والشرب والجماع حتى يتبيَّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وهذا المجامع قد شك في طلوع الفجر وغروب الشمس، فلم يتبيَّن له شيء، فيصح صومه، ولا قضاء ولا كفارة (٢).

واستدلوا بما ورد في «مسلم»: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ قال الله: قَدْ فَعَلْتُ.

روى البخاري (٣) عن أسماء قالت: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله فِي يوم، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ».

وجه الدلالة: أنهم أفطروا في النهار بناءً على أن الشمس قد غربت ثم طلعت الشمس، ولم يرد أن النبي أمَرهم بالقضاء، ولو كان القضاء واجبًا، لبينه النبي لأمته، فلما لم يُحفظ عن النبي ولم يُنقل إلينا، فالأصل براءة الذمة وعدم القضاء.

أما دليلهم من المأثور: فعَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَتَى أَدَعُ السُّحُورَ؟ فَقال رَجُلٌ جَالِسٌ عِنْدَهُ: «كُلْ حَتَّى إذَا شَكَكْت فَدَعْهُ، فَقَالَ: كُلْ مَا


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ٢٦٤)، و «الشرح الممتع» (٦/ ٤٠٨).
(٢) انظر: «المغني» (٤/ ٣٧٩).
(٣) أخرجه البخاري (١٩٥٩)، وفيه: قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ. وَقَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ هِشَامًا: لَا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا.

<<  <   >  >>