للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: قوله: هل عليَّ غيرها؟ فقال : «لَا» فنفى عنه وجوب غيرها ثم أكد النفي بقوله : «إِلَّا أَنْ تَطَّوَّع».

الثالث: قول الأعرابي: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ. فقال النبي : «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» فلو كان الوتر واجبًا لم يكن بتركه مفلحًا. اه.

أخرج البخاري (١) من حديث مالك بن صعصعة في حديث الإسراء الطويل: «جَعَلَهَا خَمْسًا» أي الصلاة، قَالَ الله: «إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَلَى عِبَادِي، وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا».

قال ابن حزم (٢): فَهَذَا خَبَرٌ مِنَ الله مَأْمُونٌ تَبَدُّلُه فَصَحَّ أَنَّ الصَّلَوَاتِ لَا تُبَدَّلُ أَبَدًا عَنْ خَمْس، فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الوِتْرَ فَرْضٌ.

والأحاديث التي تدل على أن الصلوات المكتوبات المفترضات خمس لا غير - متوافرة.

وذهب أبو حنيفة (٣) إلى أن الوتر واجب، وإليه ذهب طاوس ومجاهد (٤).

واستدلوا لذلك بأدلة، منها:

١ - عن بريدة عن رسول الله : «الوِتْرُ حَقٌّ، مَنْ لم يُوتِر فَلَيْسَ مِنَّا» (٥).


(١) أخرجه البخاري (٣٢٠٧).
(٢) «المحلى» (٢/ ٢٢٩).
(٣) «بدائع الصنائع» (١/ ٢٧٠)، وذكر ثلاث روايات عند أبي حنيفة.
(٤) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (٤٥٨٣).
(٥) ضعيف: أخرجه أبو داود (١٤١٩)، وأحمد (٥/ ٣٥٧)، وابن أبي شيبة (٢/ ١٩٧)، وغيرهم. وفي إسناده أبو المنيب، فيه ضعف. وله شاهد من حديث أبي هريرة: أخرجه أحمد (٢/ ٤٤)، وابن أبي شيبة (٢/ ١٩٧)، وغيرهما، ولكن في إسناده خليل بن مُرة قال البخاري: منكر الحديث. وهذا الإسناد منقطع بين معاوية بن مرة وأبي هريرة، قاله أحمد. انظر: «نصب الراية» (٢/ ١١٣).
وله شاهد من حديث أبي أيوب «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِخَمْسٍ»
ومدار الحديث على الزهري، واختلف عليه على أوجه:
الوجه الأول: الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب مرفوعًا.
ورواه جماعة عن الزهري:
١ - سفيان بن حسين، وهو ضعيف في الزهري، أخرجه أحمد (٥/ ٤١٨) وغيره.
٢ - محمد بن الوليد الزبيدي: أخرجه الحاكم (١/ ٣٠٢)، محمد وإن كان ثقة إلا أن الراوي عنه يزيد بن يوسف، وهو ضعيف.
٣ - بكر بن وائل: أخرجه أبو داود (١٤٢٢)، وبكر صدوق.
٤ - يونس بن يزيد: أخرجه ابن حبان (٢٤٠٣).
٥ - محمد بن أبي حفصة: أخرجه الطبراني في «الكبير» (٣٩٦٧).
٦ - داود بن نافع: أخرجه النسائي (١٤٠١)، وفي إسناده جبارة: مجهول.
٧ - الأوزاعي: أخرجه النسائي (١٤٠١)، وابن ماجه (١١٩٠)، والأوزاعي في الزهري لين.
الوجه الثاني: رواه ابن عيينة عن الزهري، واختلف على ابن عيينة، فرفعه محمد بن حسان، أخرجه الحاكم (١/ ٣٠٣) وغيره ورفعه إبراهيم بن محمد عند الطبراني (٣٩٦٦). وخالفهما جماعة من الثقات عن ابن عيينة فوقفوه، منهم:
١ - الحارث بن مسكين عند النسائي (١٤٠٢)، وإسناده صحيح.
٢ - يونس بن يزيد عند ابن أبي شيبة (٢/ ١٧٩). ٣ - الحميدي. ٤ - وقتيبة. ٥ - وسعيد بن منصور: ذكرهم الدارقطني «العلل» (٦/ ١٠٠).
الوجه الثالث: معمر عن الزهري، واختلف على معمر، فرفعه وهيب، أخرجه الطحاوي «شرح معاني الآثار» (١/ ٢٩١). وخالف وهيبًا جماعة من الثقات فوقفوه. عبد الرزاق «المصنف» (٤٦٣٣). وابن علية وعبد الأعلى وحماد بن زيد ذكرهم الدارقطني «العلل» (٦/ ١٠٠). الذين وقفوه عن معمر أثبت ممن رفعه قاله الدارقطني. ورواه جماعة عن الزهري على الوقف: محمد بن إسحاق عند الحاكم (١/ ٣٠٣). وحفص بن غيلان عند النسائي (٢٤٣) (١٣٠٢) وغيرهم.
ورجح العلماء الوقف: قال النسائي: الموقوف أولى بالصواب. وكذا أبو حاتم والدارقطني وابن عدي والذهلي وابن حجر وابن رجب.

<<  <   >  >>