للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشَّهَوَاتِ المعَوِّقَةِ لَهُ عَنْ سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ بِقَدْرِ المصْلَحَةِ، بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بَهِ الْعَبْدُ في دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، وَلَا يَضُرُّهُ وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ مَصَالِحِهِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ.

وَشَرَعَ لَهُمُ الِاعْتِكَافَ الَّذِي مَقْصُودُهُ وَرُوحُهُ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَمْعِيَّتُهُ عَلَيْهِ، وَالْخَلْوَةُ بِهِ، وَالِانْقِطَاعُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ، بِحَيْثُ يَصِيرُ ذِكْرُهُ وَحُبُّهُ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ في مَحَلِّ هُمُومِ الْقَلْبِ وَخَطَرَاتِهِ، فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ بَدَلَهَا، وَيَصِيرُ الْهَمُّ كُلُّهُ بِهِ، وَالْخَطَرَاتُ كُلُّهَا بِذِكْرِهِ، وَالتَّفَكُّرُ في تَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاللَّهِ بَدَلًا عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ، فَيَعُدُّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ في الْقُبُورِ حِينَ لَا أَنِيسَ لَهُ، وَلَا مَا يَفْرَحُ بِهِ سِوَاهُ، فَهَذَا مَقْصُودُ الِاعْتِكَافِ الْأَعْظَمُ (١).

قال: ابن رجب (٢): فمعنى الاعتكاف وحقيقته قطع العلائق عن الخلائق، للاتصال بخدمة الخالق.

وفى موضع آخر: فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله، وذكره، وقَطَع عن نفسه عن كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه، وما يقربه منه، فما بقى له سوى الله، وما يرضيه عنه.

وقال شيخ الإسلام: لما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه كما كان المشركون يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم، ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم، شرع الله لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربهم ، وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك؛ فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله (٣).


(١) «زاد المعاد» (٢/ ٨٦ - ٨٧).
(٢) «لطائف المعارف» (٤/ ٤٥٥).
(٣) «شرح العمدة» (٢/ ٧٠٨).

<<  <   >  >>