للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«صدقة تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» مع أن هذه الصدقات تُصرف للأصناف الثمانية.

أما دليلهم من القياس: فقاسوا زكاة الفطر على كفارة اليمين وغيرها من الكفارات، فكما أن كفارة اليمين لا تصرف إلا للمساكين ولا يطعم منها غيرهم، فكذا زكاة الفطر، ولأنها زكاة على الأبدان.

قال ابن تيمية (١): فَإِنَّ المقْصُودَ هُوَ الْأَصْلُ الثَّانِي، وَهُوَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَإِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ هَلْ تَجْرِي مَجْرَى صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ أَوْ صَدَقَةِ الْأَبْدَانِ كَالْكَفَّارَاتِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ وُجُوبُ الِاسْتِيعَابِ، أَوْجَبَ الِاسْتِيعَابَ فِيهَا، وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَنْبَنِي مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ كَقَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلماءِ فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ دَفْعَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى وَاحِدٍ، كَمَا عَلَيْهِ المسْلمونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَجْرِي مَجْرَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ في رَمَضَانَ وَمَجْرَى كَفَّارَةِ الْحَجِّ، فَإِنَّ سَبَبَهَا هُوَ الْبَدَنُ لَيْسَ هُوَ المالَ كَمَا في السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ «أَنَّهُ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طهرة لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلمسَاكِينِ. مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ».

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: «أَغْنُوهُمْ في هَذَا الْيَوْمِ عَنْ المسْأَلَةِ». وَلِهَذَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ طَعَامًا كَمَا أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ طَعَامًا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يُجْزِئُ إطْعَامُهَا إلَّا لمنْ يَسْتَحِقُّ الْكَفَّارَةَ وَهُمْ الْآخِذُونَ لِحَاجَةِ أَنْفُسِهِمْ، فَلَا يُعْطِي مِنْهَا في المؤَلَّفَةِ وَلَا الرِّقَابِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى في الدَّلِيلِ.

قال ابن القيم (٢): وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ تَخْصِيصُ المسَاكِينِ بِهَذِهِ الصّدَقَةِ، وَلم يَكُنْ يَقْسِمُهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثّمَانِيَةِ قَبْضَةً قَبْضَةً، وَلَا أَمَرَ بِذَلِكَ، وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ بَلْ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا: إنّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلّا عَلَى المسَاكِينِ خاصة،


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ٧٣، ٧٢).
(٢) «زاد المعاد» (٢/ ٢٢).

<<  <   >  >>