للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الدلالة منه: أن النبي أمَر مَنْ أكل في نهار عاشوراء بإمساك بقية يومه، فدل ذلك على أن صيام عاشوراء كان فرضًا قبل نسخه برمضان؛ إذ لا يُؤْمَرُ من أكل بإمساك بقية يومه إلا في صيام فرضٍ، ولو كان مستحبًّا لم يُؤْمَرْ بالإمساك، وإذا كانوا قد أنشأوا النية في النهار لصوم عاشوراء فدلَّ على جوازه في رمضان.

قال الطحاوي (١): وَكَانَ مَا رُوِيَ في عَاشُورَاءَ في الصَّوْمِ المفْرُوضِ في اليوم الَّذِي بِعَيْنِهِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ الصَّوْمِ المفْرُوضِ في ذَلِكَ اليوم جَائِزُ أَنْ يُعْقَدَ لَهُ النِّيَّةُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ؛ فَهُوَ فَرْضٌ في أَيَّامٍ بِعَيْنِهَا كَيوم عَاشُورَاءَ إِذَا كَانَ فَرْضًا في يوم بِعَيْنِهِ، فَكَمَا كَانَ يوم عَاشُورَاءَ يُجْزِئُ مَنْ نَوَى صَوْمَهُ بَعْدَمَا أَصْبَحَ، فَكَذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ.

• واعْتُرِضَ على هذا القول بأمرين:

الأول: أنه اختُلف في أن صوم عاشوراء هل كان فرضًا أو مستحبا؟

الثاني: أنه لو كان فرضًا لم يصح الاستدلال؛ لأنهم لم يعلموا من الليل أن هذا اليوم لابد أن يُصام؛ فكيف يُلزَمون بتبييت النية من الليل وهم لا يعلمون؟ إذ هذا تكليف بما لا يُطاق، إذ النية تتبع العلم!

قال شيخ الإسلام (٢): وَتَحْقِيقُ هَذِهِ المسْأَلَةِ: أَنَّ النِّيَّةَ تَتْبَعُ الْعِلم؛ فَإِنْ عَلم أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ في هَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنْ نَوَى نَفْلًا أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا لم يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْصِدَ أَدَاء الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي عَلم وُجُوبَهُ، فَإِذَا لم يَفْعَلِ الْوَاجِبَ لم تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلم أَنَّ غَدًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَهُنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ، وَمَنْ أَوْجَبَ التَّعْيِينَ مَعَ عَدَمِ الْعِلم فَقَدْ أَوْجَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.

الدليل الثانى: روى مسلم (٣) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ يومًا فَقَالَ: «هَلْ عِنْدكُمْ شَيْءٌ؟». فَقُلْت: لَا. قَالَ: «فإنى إِذَنْ صَائِمٌ».


(١) «شرح معانى الآثار» (٢/ ٥٧).
(٢) «الفتاوى» (٢٥/ ١٠١).
(٣) أخرجه مسلم (١١٥٤).

<<  <   >  >>