للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْإِيلَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ المعَلَّقَةِ بِالْهِلَالِ بِخَبَرِ الْحَاسِبِ، أَنَّهُ يُرَى أَوْ لَا يُرَى - لَا يَجُوزُ، وَالنُّصُوصُ المسْتَفِيضَةُ عَنِ النَّبِيِّ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَقَدّ أَجْمَعَ المسْلمونَ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَصْلًا وَلَا خِلَافٌ حَدِيثٌ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ المتَأَخِّرِينَ مِنَ المتَفَقِّهَةِ الحادثين بَعْدَ المائَةِ الثَّالِثَةِ - زَعَمَ أَنَّهُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ جَازَ لِلْحَاسِبِ أَنْ يَعْمَلَ في حَقِّ نَفْسِهِ بِالْحِسَابِ، فَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ دَلَّ عَلَى الرُّؤْيَةِ صَامَ وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْإِغْمَامِ وَمُخْتَصًّا بِالْحَاسِبِ فَهُوَ شَاذٌّ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ ذَلِكَ في الصَّحْوِ أَوْ تَعْلِيقُ عُمُومِ الْحُكْمِ الْعَامِّ بِهِ فَمَا قَالَهُ مُسْلم.

• القائلون بالأخذ بالحساب الفلكي:

قال ابن عبد البر (١): وَلم يَتَعَلَّقْ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ المسْلمينَ فِيمَا عَلمتُ بِاعْتِبَارِ المنَازِلِ في ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلم، وَلَوْ صح مَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ عَلَيْهِ لِشُذُوذِهِ.

وقال النووي: وَقَالَ اِبْن سُرَيْج وَجَمَاعَة، مِنْهُمْ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه وَابْن قُتَيْبَة وَآخَرُونَ: مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ المنَازِل.

قال الماوردي (٢): عَنْ آخَرِينَ مِنْهُمْ، أَنَّهُمْ عَمِلُوا في صَوْمِهِمْ عَلَى النُّجُومِ وَمَا تُوجِبُهُ أَحْكَامُ الْحِسَابِ تَعَلُّقًا بُقُولِهِ: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾.

والدلالة على هذا الفريق: رواية عبد الله بن عمر أن رسول الله قال: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ ثَلَاثِينَ». فعلَّق حكمه بأحد شرطين لا ثالث لهما.

قال النووي (٣): ومن قال بحساب المنازل فقوله مردودٌ بقوله في «الصحيحين»: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا … » الحديث. قالوا: لِأَنَّ النَّاس لَوْ كُلِّفُوا بِهِ ضَاقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَفْرَادٌ من الناس في البلدان الكبار،


(١) «التمهيد» (١٤/ ٣٥٢).
(٢) «الحاوي الكبير» (٣/ ٢٥٤).
(٣) «المجموع» (٦/ ٢٧٠).

<<  <   >  >>