أو يقال: هنَّ بالنِّسْبَةِ لبعضهنَّ عُقَلاءُ، يعني لما كَانَ هَذَا الخطابُ يُفهم ويُعمل به صارتْ كأنها تخاطبُ العقلاءَ، مثلما قُلْنَا: إن المساكنَ بالنِّسْبَةِ لهنّ مِلْك وبالنِّسْبَةِ لنا اختصاص.
وقوله:{سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} ما قالتْ: وجُنْدُه؛ لِأَنَّ الَّذِي فَهِمنا منَ الْقُرْآن أن معَه ثلاثةُ أصنافٍ من الجنودِ: الإنس والجنّ والطير كما سبقَ.
وقوله:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} هَذَا اعتذار لسُلَيمان وجنودِه، أَنَّهُم لن يَتَقَصَّدوا أن يَحْطِمُوكم، ولكِن بغير شعورٍ منهم؛ لِأَنَّهُ كما هُوَ معروفٌ أن هذا جيشٌ عظيمٌ واسعٌ وهذه نملٌ صغارٌ يُمْكِن أن يحطمها الجيشُ بدونِ أنْ يَشْعُرَ، ثُمَّ إنَّ الغالبَ أنَّ مثلَ هَذَا الجندِ الكثيرِ لا يستطيع أن يَتَوَقَّفَ إذا وجد جُحْرَ نَمْلٍ مثلًا، فهَذَا معنى قولها:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: كيف {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} هل هم يمشون بِغَيْرِ هُدًى؟
قُلْنَا: لا، يمشون بهدى، لكِن من المعروفِ أَنَّنا إذا قارنَّا بينَ هَذَا الجُنْدِ العظيم الواسع وبين صِغَرِ هَذا النمل فإنَّ الغالبَ أَنَّهُم لا يَشعرون بها.
فهَذهِ الجُمَل البليغة العظيمة من هَذَا المخلوقِ الَّذِي لَيْسَ فِي أَعْيُنِ النَّاس شيئًا، وَهُوَ من أصغرِ المخلوقاتِ، فيها ما يَدُلّ عَلَى عَظَمَةِ الخالِق، وأن ما هُوَ أعظمُ من هَذِهِ المخلوقات -النمل- هُوَ أعظمُ مِنْهَا أيضًا فِي هَذِهِ الأُمُور؛ لِأَنَّ مَن أعطى الصغيرَ هَذَا الإعطاءَ وهداه هَذِهِ الهدايةَ فالكبيرُ أحوجُ للهدايةِ من ذلكَ، وعنده منَ العلمِ ما عنده.