فالحاصل: أن المسألةَ حَتَّى فِي الأُمُورِ الحِسِّيَّة الخطأ يمكن أن يقع، فما بالُكَ بالأُمُورِ العقليَّة؟ من باب أَولى وأعظم، وبه نعرِف ضعف الْإِنْسَان وَأَنَّهُ بحاجةٍ ماسَّة إِلَى عِلْمِ الشرعِ والوحيِ، فمهما بلغ فإنه بحاجةٍ إِلَى هَذَا الأَمْرِ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: جعل الحواسّ من القَطْعِيَّات كما هُوَ عند المناطِقَةِ يَكُون عَلَى هَذَا خطأً؟
فالجواب: لا شكَّ فِي هَذَا، لكِن باعتبارِ الفكرِ وباعتبارِ العقلِ صحيح، إِنَّمَا الوهم قد يقع فيها.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّهُ يَنبغي تأكيد الكَلام فِي موضعِهِ؛ لِقَوْلِهِ:{إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ}، ما قَالَ: هَذَا صَرْحٌ، قَالَ:{إِنَّهُ صَرْحٌ} و (إنَّ) للتوكيد، والتَّوْكيد هنا فِي مَحَلِّه؛ لِأَنَّهَا وإنْ لم تَكُنْ منكِرةً لكِنَّ حالَها حالُ المُنْكِرِ، حَيْثُ ظنَّته لُجَّة وكشفتْ عن ساقيها.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن الله تَبَارَكَ وَتَعالى قد يَهَبُ المرءَ ما يُوجِب له أن يُسْلِمَ، بل قد يُيَسِّر له الأَسْبَاب الَّتِي تُوجِب إسلامَه بكلِّ سهولةٍ؛ لِقَوْلِها:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} هَذِهِ المَرْأَةُ حَسَب القصة ما وجدنا أَنَّهَا دُعِيَت وأُكِّد عليها وبُيِّنَ لها الخطأ إِلَّا فِي قوله فِي أول القصة: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}[النمل: ٣١]، لكِن لما شاهدتْ ما شاهدتْ من عظمةِ مُلك سُلَيْمَان وقوّته، عرفتْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أن تُسْلِم، وهي تتذكر كتابَه الَّذِي قَالَ فيه:{أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} فإمَّا أن تسلم وَإمَّا أن يقضي عليها، ولَكِنَّهَا أسلمتْ.