للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِذَنْ: فالجملةُ تفيد تحذيرَ المرءِ مِن المخالفةِ، وأنك عندما تُسَوِّل لك نفسُك معصية للهِ عَزَّ وَجلَّ فإنك تَعْرِضُ عليها مثل هَذِهِ الآيَةِ: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}، ومثل قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤]، وأشباه ذلك من الأَشْيَاءِ الَّتي يجبُ عَلَى المرءِ إذا همّ بسيئةٍ أن يَستعرضَ هَذِهِ الآيَاتِ حَتَّى تَمْنَعَهُ.

الْفَائِدَة الْعَاشِرَةُ: أن ما يَتَعَلَّق بالهمِّ المجرَّد فَإِنَّهُ لا يُؤَاخَذ به العبدُ؛ لِأَنَّ المقصودَ من قولِهِ: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} التحذيرُ من هَذَا الفِعْل المخالِفِ، فماذا قُدِّرَ أَنَّهُ همٌّ مجرَّد، فَإِنَّهُ لَيْسَ بفعل، فلا يؤاخَذ عليه العبدُ، وهَذه الفائدةُ بعيدةٌ فِي التصوُّر ولَكِنَّهَا دلَّت عليها السنَّة (١)، وأنَّ مجرَّد الهمِّ لا يؤاخذ به العبدُ حَتَّى يفعلَ، إِلَّا الهمّ بالحسنة فَإِنَّهُ يُكتَب للمرءِ، ولكِنَّه لا يدخل فِي هَذِهِ الآية؛ لِأَنَّ الآية سِيقت للتحذيرِ، والهمُّ بالحسنةِ يُرَغَّب فيه ولا يحذَّر منه، فالهمُّ بالسيئةِ لا يعاقَب عليه العبدُ، والهمّ بالحسنةِ يُثاب عليه العبدُ، ومُقتضَى العدل أن يُعاقَب عَلَى السيئةِ وأن يُثابَ عَلَى الحسنةِ، أو أن لا يعاقب عَلَى السيئة ولا يثاب عَلَى الحسنة، ولكِن رحمة الله تَعَالَى اقتضتِ الفضلَ دونَ العدلِ، فصارَ الهمُّ بالسيئةِ لَيْسَ فِيهِ شيءٌ، والهمّ بالحسنة فِيهِ ثواب.

* * *


(١) انظر: صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب من همّ بحسنة أو بسيئة، حديث رقم (٦١٢٦)، عن ابن عباس -رضي الله عنه-، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إذا همّ العبد بحسنة كتبت وإذا همّ بسيئة لم تكتب، حديث رقم (١٣٠)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>