الفَائِدةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يَنبغي تحَسُّس الأخبارِ عندَ الحاجةِ لذلكَ، وهَذَا ما يُسَمَّى بالمتابعةِ؛ لِقَوْلِهِ:{فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}[النمل: ٢٨]، فَإِنَّهُ إذا تولى وجعل يَنْظُرُ لَا بُدَّ أن تُبَيِّنَ له الأخبارُ؛ فلو أَنَّهُ ما تولى عنهم فألقاه وبقِيَ فقد لا يتكلمون بالأَشْيَاء الَّتِي يتكلمون بها إذا كَانَ حاضرًا لديهم، لكِن إذا تولَّى عنهم فحينئذٍ وجدوا لأنفسهم مجالًا للكلام حَسَب ما يريدون، وهَذَا من السياق.
فعندما تعمل عملًا فلا بد أن تَتَحَسَّس الأخبارَ، فلا تباشر هَذَا العَمَل مباشرةً لِأَنَّهُ لا يأتي عَلَى المطلوب، ولا تُعْرِض عنه إعراضًا كامِلاً لأنَّ معنى ذلك أنك ما تابعتَ ولا اهتممتَ بالأَمْرِ، فينبغي على الْإِنْسَان أنه كلَّما عَمِلَ عملًا أن يَكُون متابعاً له وأن يتحسَّس.
مثلًا افرض أنك أمرت أهلك بأمر، وأنت راعٍ عليهم، فلاحظه ولا تتركه، ولكِن لا تلاحظه وأنت حاضر مَعَ المباشرة؛ لِأَنَّهُم فِي هَذِهِ الحال سوف ينفذونه، لكِن تلاحظه وأنت بعيد حَتَّى يتبين لك هل نفذوا أم لم ينفذوا، فهَذِهِ من السَّياسَة الَّتِي ينبغي سُلُوكُها؛ لأجل أن يعرف الْإِنْسَان مدى تَقَبُّل الموجَّه إليه الأَمْر من عَدَمِه، ولهَذَا قَالَ:{فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}[النمل: ٢٨]، وهَذَا هُوَ الَّذِي حَصَلَ.