الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: أنَّ مَن لم يَقْبَلِ الحَقّ فَهُوَ بمنزلةِ الأصمِّ الَّذِي لا يَسْمَعُه؛ لِقَوْلِهِ:{وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}.
الْفَائِدَة الرَّابِعَةُ: أنَّ الجوارحَ والحواسَّ الَّتِي لا يُنْتَفَعُ بها كالمعدومةِ، ووجهُ ذلك: أن هَؤُلَاءِ لهم آذانٌ ولهم سمع، لكِن لمَّا لم يَنتفِعوا به صَاروا صُمًّا.
الْفَائِدَة الخَامِسَةُ: بَيَان شِدَّة إعراض هَؤُلَاءِ عنِ الحقِّ؛ لِأَنَّهُم صُمٌّ مُوَلُّون مُدْبِرون، وهَذَا أبعدُ ما يَكُونُ عنِ السماعِ، فالأصمُّ إذا كَانَ مُقْبِلًا إليكَ قد يَفْهَم منك ما يَفْهَمُه منَ الإشاراتِ والحركاتِ فيَنتفِع بذلكَ، ولو كَانَ أصمَّ لكِن إذا ولّى مَعَ الإدبارِ -ولى ببدنه وأدبر بقلبِه أو بالعكسِ- فإن ذلك يَكُونُ أشدَّ استحالة فِي سماعِهِ ممَّا إذا كَانَ أصمَّ مَعَ الإقبالِ.
الْفَائِدَة السَّادِسَةُ: أن الْإِنْسَانَ -والعياذُ باللهِ- إذا ولَّى مُدْبِرًا عنِ الشرعِ فَإِنَّهُ قد يُعاقَبُ بالصممِ عن سماعِ الْحَقَّ، بِحَيْثُ إِنَّهُ لا يَنتفعُ بموعظةٍ ولا نصيحةٍ، وهَذَا هُوَ الغالبُ، فالغالبُ أن الْإِنْسَان إذا كَانَ لَيْسَ عنده إقبالٌ عَلَى الْحَقَّ أن يُحْرَم الحقَّ، حَتَّى لو تكلَّم النَّاس وفعلوا وأقاموا الأدلَّة ما انتفع بذلك.
ونضربُ لكم مثلًا الْآنَ بالمُرابين والمُتَحَيِّلِين عَلَى الرِّبا، هم يَسمعون المواعظَ لكِنَّهم مُوَلُّون، وَيرَوْنَ أن ما هم عليه لَا بُدَّ أن يفعلوه، ولذلك ما وُفِّقوا للانتفاع بها، بل بَقُوا عَلَى ضلالهم، والسَّبَب فِي هَذَا أَنَّهُم لَيْسَ عندهم أيُّ إقبالٍ من الإقبال الَّذِي يَنْفَعُهم.