للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنهُ من الحِكْمَةِ أن يُرَدَّ الباطلُ بالحقِّ بدون سكوتٍ؛ لِقَوْلِهِ فِي جوابهم: {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ}.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ ينبغي أن يَكُونَ الردُّ من جنسِ الإيرادِ، فهنا تَطَيَّروا بصالحٍ ومن معَه، فبيَّن أن طِيَرَتهم وشُؤْمَهم بسببِ أعمالهم، ولذا قَالَ: {طَائِرُكُمْ} فاللفظُ مثل اللفظ، فينبغي أن يَكُون الجوابُ مثلَ الإيرادِ، وَيتَحَرّى المجيب حَتَّى اللفظ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّهُ ينبغي لمن ردَّ عَلَى غيره أو أبطلَ قولَه أن يأتيَ بأمرٍ لا جدالَ فيه؛ لِأَنَّ صالحًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لو قَالَ: هَذَا الجَدْب لَيْسَ منِّي وأنا ما أتيتُ بسببِه ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لكان هَذَا فِيهِ مجال للأخذِ والردّ، ولكِن يَنبغي أن يختارَ المجيبُ الجوابَ الَّذِي لا كلامَ بعدَه.

ونظيرُ هَذَا محُاجَّة إبراهيمَ للذي حاجَّه فِي الله {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: ٢٥٨]، لم يقلْ: لا، أنت لستَ تُحْيِي وتميت، ولكِنك تقتُل مَن لا يَستحِقّ القتلَ وترفَع القتلَ عمَّنِ استحقَّه، وهَذَا لَيْسَ بإحياءٍ ولا إماتةٍ، مَعَ أنَّ هَذَا هُوَ الحقيقة، لكِن هَذَا يَكُون فِيهِ جَدَلٌ؛ إِنَّمَا أتى بأمرٍ لا جدالَ فِيهِ ولا يُمْكِنُه أنْ يجادِلَ، ولهَذَا بُهِتَ الَّذِي كفر.

وهَكَذَا يَنبغي للإِنْسَان فِي محُاجّة مَن حاجّه أن يختار الأجوبةَ الَّتِي لا تؤدِّي إِلَى النزاعِ والجدالِ؛ لِأَنَّهُ إذا أدَّت إِلَى النزاع والجدال فقد يَتَغَلَّب الباطلُ عَلَى الْحَقّ بسبب طولِ الجدال واللفّ والدَّورانِ، لكِن يُؤتَى بشيءٍ لا جدالَ فيه، وهَذَا من آدابِ المناظرةِ حَتَّى عند الَّذِينَ يَتكلَّمُونَ بهَذه الأُمُورِ، فيَرونَ أن من آدابِ المناظرةِ الأخذ بما لا يُمْكِن الجدلُ فيه.

<<  <   >  >>