للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال العُلَماءُ: ومِنَ الحِكمة فِي هَذَا أنَّ الريحَ إذا كَانَ مَهَبُّها واحدًا صارتْ أصلبَ؛ إذ لا شَيْء يُقابِلُها منَ الرياح حَتَّى يَكْسِرَ حِدَّتَها، فلهَذَا كانتْ تأتي دائمًا فِي مَقامِ العذابِ.

قال تَعَالَى: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} ما الجوابُ؟ لا إلهَ معَه. وكلُّ هَذَا تقرير لأُلوهيَّة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّتِي يُنْكِرُها هَؤُلَاءِ المشرِكون.

قوله: {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}: {تَعَالَى} بمعنى: عَلَا بِتَنَزُّهٍ؛ لِأَنَّ {تَعَالَى} مُشَرَّبَةٌ معنى: تَرَفَّعَ عن هَذَا الشَّيْءِ مَعَ عُلُوِّهِ، فَهُوَ عالٍ بِتَنَزُّهٍ عمَّا يشركون مِن هَذِهِ الأصنامِ الَّتِي يجعلونها مَع اللهِ شَريكًا فِي العِبادَةِ، أَمَّا فِي الرُّبُوبِيَّة فإنهم يُقِرُّون بأنَّ هَذِهِ الأصنامَ لَيْسَ لها أبدًا شأنٌ فِي الرُّبُوبِيَّة، ولكِنهم - والعياذ بالله - يعبدونها مَعَ اللهِ، ومنهم مَن يصرِّح بأنه يعبدها لِتُقَرِّبَهُ إِلَى اللهِ؛ كما قَالَ الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣]، فهم مُعْتَرِفون بأنَّ عبادتها ليستْ عبادة مقصودةً لذاتِها؛ بل هِيَ مقصودةٌ لغيرِها لِتُوصِلَهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ المُفَسِّر: [{عَمَّا يُشْرِكُونَ} به غيرَه]، عامٌّ فِي كُلّ شِرك، وعامٌّ فِي كُلّ مُشْرَكٍ به، فالله تَعَالَى متعالٍ عن كُلّ شركٍ وعن كُلّ مشرِك به مهما عَظُم قَدْرُه.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: بَيَان نِعمة اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الخَلْقِ بالهدايةِ فِي ظُلُماتِ البَرِّ والبحرِ والجوِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قاعدة الفقهاءِ الهواء تابع لِلقَرارِ، إن كنت عَلَى البحرِ فَهُوَ منَ البحرِ، وإن كنت عَلَى البرّ فَهُوَ من ظُلُمات البرِّ، ففيه منة الله عَلَى عباده بالهداية فِي ظلمات البرّ والبحر، وهَذه الهداية بعلاماتٍ وبإلهام؛ بكلا الأَمْرينِ، فقد تكون بالعلاماتِ وَهُوَ الأكثرُ، وقد تكون بالإلهامِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ

<<  <   >  >>