للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: جَواز أنْ يَعْتَرِيَ الأَنبِياء الخوفُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَّى مُدْبِرًا}. وأن ذلك لا يُعَدّ نقصًا فيهم؛ لِأَنَّهُ مِن مُقْتَضَى الطبيعةِ البشريَّة، وهَذَا الَّذِي يَكُون من مُقتضَى الطبيعة البشرية لا يُلام عليه أحد، فالأنْبِياء يجوعون، ويعطَشون، وَيبْرُدون، وَيمْرَضون، ويموتون أيضًا، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: ١١٠].

فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل الأَنْبِياء مَعْصُومونَ مُطْلَقًا؟

قُلْنَا: لَا شَكَّ أن الأَنْبِياء لا يُعصَمون ممَّا لا يُخِلّ بالرسالةِ مِنَ الذُّنُوب؛ فالَّذِي لا يُخِلُّ بالرسالة والشَّرَف والمروءة لا يُعْصَمُون منه، لكِنهم يُعصَمون من الإقرارِ عليه، فلَا بُدَّ أن يُوَفَّقُوا للتوبة. وهَذَا هُوَ الفرق بينهم وبين غيرهم، وأظنُّ أنَّنا ذكرناه فِي التوحيد وقلنا: إِنَّهُ يُفَرَّق بينهم وبين غيرهم من وجهينِ - في مسألة الذنوبِ والمَعاصِي -:

أولًا: أَنَّهُ لا يُمْكِن أن يَصْدُرَ منهم ما يُخِلُّ بالرسالةِ، مثل: الكَذِب والخِيَانة، ولا بالشَّرَف والمروءة: كالزِّنا وما أَشْبَهَهُ.

ثانيًا: أَنَّهُ إذا وَقَعَ منهم ما يُمْكِن وُقُوعُه مِنَ المَعاصِي فإنهم لا يقرّونَ عليه، لَا بُدَّ أن يَحْصُلَ لهم ما يُوجِبُ تَرْكَهم لهَذَا الشَّيْء؛ لِأَنَّهُم رُسُل قُدْوَة. ولو أقرُّوا عَلَى المَعاصِي لكانتِ المَعاصِي من شَرَائِعِهم. وَأَمَّا القَوْلُ بالعِصْمة مُطْلَقًا فلا وجهَ له، فلا توجد عِصمةٌ مُطْلَقًا، بل الصَّواب أَنَّهُم يَحْصُل منهم ما يَحْصُل ولكِنَّهم لا يقرّون عليه.

فقوله تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣]، وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: ١]، هَذَا ممَّا يَدُلُّ عَلَى أن الأَمْرَ قد وقعَ مِنَ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَكِنَّهُ غُفِرَ عنه، ما أقرَّ عليه، أَمَّا مسألةُ

<<  <   >  >>