للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعْرَضوا عنِ الْقُرْآن إِعْرَاضُهُمْ لَيْسَ مَعْنَاهُ النَّقْص فِي الْقُرْآن، فالْقُرْآن حقٌّ بَيِّنٌ واضحٌ، لكِن البلاء مِنهم.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: وُجُوب التوكّل عَلَ اللهِ؛ لِقَوْلِهِ: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} والأَصْل فِي الأَمْرِ الوجوبُ، ومعنى التوكُّل سَبَقَ تفسيرُه.

الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أنّ بالتوكُّل عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَتيَسَّر الأُمُورُ؛ لِأَنَّ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - يُكَابِد مِنْ عنادِ بني إسرائيلَ وغيرِهم، فأمر الله بالتوكُّل عليه، لِأَنَّ الله ذكرَ فائدةَ التوكّل فِي قوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣]، فبالاعتمادِ عَلَى اللهِ تَتيَسَّر الأُمُورُ، وباعتماد الْإِنْسَان عَلَى نفسِهِ يحصُل الخِذلان.

قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)} [التوبة: ٢٥]، مَعَ أن الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ معهم، ومع أَنَّهُم خَيْرُ القرونِ وأفضلُ أهلِ الْأَرْض، فلمّا قَالُوا: "لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ" (١) حَصَلَ هَذَا الأَمْر.

فيَتبَيَّن بهَذَا أنّ مَنِ اعتمدَ عَلَى نفسِهِ فِي حصولِ مَقصودِهِ أو دَفْعِ ضَارِّهِ فَإِنَّهُ يُخْذَلُ، ولهَذَا أمر اللهُ رسوله بالتوكُّل عَلَى الله فِي هَذَا المقام -مَقام النِّزاع وبَيَان الحَقّ لبني إسرائيلَ- وَهُوَ يكابد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من ذلك.

الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: تَسليةُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِقَوْلِهِ: {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}.


(١) رواه أبو عوانة في مسنده (٦٧٥٤)؛ وابن أبي حاتم في تفسيره (٦/ ١٧٧٣) وانظر: السيرة النبوية لابن هشام (٥/ ١١٣)؛ زاد المعاد (٣/ ١١١).

<<  <   >  >>