للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: أَنَّهُ عَلَى قوَّة الآيَات الَّتِي جاء بها موسى - صلى الله عليه وسلم - لم يَسْتَفِدْ مِنْهَا هَؤُلَاءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا} والآيَات إذا قَوِيت لا يبقى مجالٌ للجحدِ، ولكِن - والعياذُ بالله - أَعْمَى اللهُ بصائِرَهُم فجَحَدُوا بها.

الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: أنَّ جَحْدَ هَؤُلَاءِ المرسَل إليهم كَانَ عن عنادٍ، لا عن شُبهةٍ؛ لِقَوْلِهِ: {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}، وهل هَذَا وقعَ لكفَّار قريشٍ مَعَ النَّبِيّ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ نعم وَقَعَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]، وَلَا شَكَّ أنَّ هَذَا واقعٌ مِنَ الرؤساء والزعماء، لكِن عامَّة النَّاس قد لا يَكُون لديهم هَذَا الأَمْر، وإنَّما هم مقلِّدون، أَمَّا الزعماء والكبراء فلَا شَكَّ فِي هَذَا.

الْفَائِدَةُ الْثَّالِثَةُ: سوء أحوال آلِ فِرعونَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ظُلْمًا وَعُلُوًّا}، {ظُلْمًا} لأنفسهم ولموسى، {وَعُلُوًّا} ترَفُّعًا عنِ الحقِّ.

الْفَائِدَةُ الْرَّابِعَةُ: أنَّ الاتِّصافَ بهذينِ الوصفينِ يَجعلُ الْإِنْسَان من الأُمَّة الفِرعونيَّة، وهما: الظلم والعُلُوّ، وما من صفةٍ يخرج بها العبد عن سواءِ السبيلِ إِلَّا وله فيها إمامٌ من أهلِ الكفرِ، ولهَذَا أخبر النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أننا سنركب سَنَنَ مَن كَانَ قَبْلَنَا (١)، فما مِن خَصلةٍ يَخرج بها العبد عن سواءِ السبيلِ إِلَّا وله فيها إمامٌ من أهلِ الكفرِ، فالجحد بالحقِّ للفاعل فِيه إمام مثل فرعونَ وقومه، والحسد للإِنْسَانِ


(١) انظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من كَانَ قبلكم"، حديث رقم (٦٨٨٩)؛ صحيح مسلم، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، حديث رقم (٢٦٦٩)، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>