للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكِنَّه لَيْسَ بصحيحٍ، بل {عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} مُتَعَلِّق ب (هادي)، وَيكُون (هادي) بمعنى صارفٍ؛ لِأَنَّ الهدايةَ تَتَضَمَّنُ أمرينِ: الصَّرْف عنِ الضلالِ، والدلالة عَلَى الحقِّ، فيقول: ما أنتَ بصارفٍ هَؤُلَاءِ عن ضلالتهم إِلَى الحقِّ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنْ} ما {تُسْمِعُ} سماعَ إفهامٍ وقَبُولٍ {إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} مُخْلِصُون للهِ تَعَالَى بِتَوْحِيدهِ].

قوله: [{إِنْ} ما]، أي (إنْ) بمعنى: (ما)، ونحن ذكرنا قَبْلُ أن {إِنْ} تأتي لعدةِ أمورٍ: فتأتي شرطيَّة، وتأتي نافيةً، وللتَّوكيدِ، وهي المخفَّفَةُ مِنَ الثقيلةِ، وتكون زائدةً، فالزائدة فِي قوله (١):

بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ... وَلَا صرِيفٌ وَلَكِنْ أنتُمُ الخَزَفُ

فقوله: (ما إنْ أَنْتُمُ) أي: ما أنتم، ولهَذَا قَالَ ابن مالِكٍ (٢):

إِعمالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ (مَا) دُونَ (إِنْ) ... مَعَ بَقَا النَّفْيِ وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ

إعمال (ما) دون (إنْ) يَقْصِد ب (إنِ) الزائدة، ومَثَّلُوا لها بالبيتِ السابقِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ الميِّتَ لا يَسْمَع، والمُراد بالميِّت هنا مَيِّت القلب، أو الموتى مَوْتَى الأجسامِ عَلَى سبيلِ التمثيلِ. فإذا كَانَ ميِّتَ القلبِ فالأَمْرُ ظاهرٌ أَنَّهُ لا يَسْمَعُ سماعًا يَنتفِع به، وإلَّا فَهُوَ يَسْمَعُ سماعَ إدراكٍ لَكِنَّهُ لا يَنْتَفِعُ به.

الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: استدلَّ بهَذ الآيَةِ مَن قَالَ: إنَّ الموتى فِي قُبُورِهِم لا يَسْمَعُون.


(١) من شواهد الأشباه والنظائر (٣/ ٣٤٠)، وأوضح المسالك (١/ ٢٧٤)، والأشموني (١/ ٢٥٤).
(٢) ألفية ابن مالك - فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس (ص: ٢٠).

<<  <   >  >>