للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهَذه المسألةُ اختلفَ فيها أهلُ العلمِ، مِنهم مَن قَالَ: إنَّ الموتى يَسمعون ولكِن لا يُجيبونَ، ومنهم مَن قَالَ: إنَّهُم لا يَسمعون، وَيَقْبَلُ ما وردتْ به السنَّة من سماعهم لكِنّه يَقْصُرُهُ عَلَى ذلك، فيقول: فيما عَدَا ذلك لا يَسْمَعُ الميتُ، والسنَّة وردتْ بأنَّ الميِّتَ إذا دُفِنَ وتولَّى عنه أصحابُه فَإِنَّهُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالهِمْ (١)، والسنَّة وردتْ بما ثبتَ عنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ وقف عَلَى أصحابِ قَلِيبِ بَدْرٍ من المشركينَ وجعلَ يُؤَنّبهُم: "يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ، يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا؟ ". فقَالُوا: يا رسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُون وأَنَّى يُجِيبُوا وقد جَيَّفُوا؟ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لمِا أَقُولُ مِنْهُمْ" (٢)، فهَذَا الكَلامُ الْآنَ والمناداةُ كان عندَ الدفنِ أو عند إلقاءِ الميِّت أو تسليمِهِ للآخرةِ، فلا يَقتضي أن يسمعَ كُلّ وقتٍ.

ومن العُلَماءِ مَن قَالَ: إنَّهُ يَسْمَعُ كُلَّ وقتٍ، كشيخِ الإِسْلامِ ابنِ تَيْمِيَّة (٣)، ويَستدِلُّون بالحديثِ الَّذِي رواه ابنُ عبدِ البَرِّ وصَحَّحَهُ، وهو: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ فَرَدَّ السَّلامَ" (٤)، فيُصَحِّحُونَ هَذَا الحديثَ، لكِن بعضهم يُضَعِّفه ويقول: إنَّهُ لا يَصِحّ (٥)، ولكِنَّ هَذَا الحديثَ لا يَنبغي


(١) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال، حديث رقم (١٢٧٣)؛ ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النَّار عليه ... ، حديث رقم (٢٨٧٠)، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٢٤/ ٣٦٢ - ٣٦٥).
(٤) الاستذكار لابن عبد البر (١/ ١٨٥) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. رواه الصيداوي في معجم الشيوخ (٣٣٤)؛ والخطيب في تاريخ بغداد (٦/ ١٣٧)؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق (٢٧/ ٦٥)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٥) انظر: العلل المتناهية (٢/ ٩١١).

<<  <   >  >>