فالمسألة تَختلف، ففِي مقامِ الترهيبِ نُحيلُ الْإِنْسَان إلَى عواقبِ المفسدينَ، وَفي مقام الترغيبِ نحيله إلَى عواقبِ المصلحينَ؛ لأجلِ أن يَحْذَر من أولئك ويرغب فِي هَؤُلَاءِ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: وفيها دليل عَلَى فضيلة التأمُّل والتفكُّر فِي أخبارِ مَن مَضَى؛ وأن دراسة علم التاريخِ من الأَشْيَاء الَّتِي جاء بها الشرع، فإنَّنا لا يمكن أن ننظرَ كيف كَانَ عاقبتهم إِلَّا بدراسةِ أخبارِهِم وتَتبُعِها، فعلمُ التاريخِ إذن من الأُمُور المقصودةِ. لكِن هل من الأُمُور المقصودة ذاتيًّا أو عرضيًّا؟
عرضيًّا، إِلَّا سِيرة النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وخُلَفَائه الراشدينَ فإنها مِنَ الدينِ؛ لِأَنَّهَا كلها أحكام، بخلاف النظر فِي التاريخ لأجلِ الاعتبارِ فقطْ، فلكلِّ مَقامٍ مقالٌ؛ لِأَنَّ النظر فِي التاريخ للاعتبار فقط قد يعتبر الْإِنْسَان بغيرِه فيستغني عنه، لكِن النظر فِي سير النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهَا أحكامٌ وفِقْهٌ، وهَذَا مقصودٌ لذاتِه، فلا يَستغني الْإِنْسَان بغيرِها عنها.
فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما حُكْمُ مَن يَمْدَحُ هَذِهِ الأممَ ويُشِيدُ بقُوَّتِهم وإبداعهم ولا ينظر إِلَى عاقبتهم؟
قُلْنَا: إذا كَانَ الْإِنْسَانُ يَتَفَكَّر بِعمرانهم وقوتهم ومع ذلكَ أَهْلَكَهُمُ اللهُ، فهَذَا لا بأسَ به، وَأَمَّا إذا كَانَ يريد أنْ يَتَفَكَّر بقوَّتهم من أجل مَدْحِهِم والثَّناء عليهم فهَذَا لا يجوزُ، ولهَذَا ما أَمَرَنَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى أنْ ننظرَ إِلَى قُوَّتِهِم إِلَّا بَعْد أنْ أَمَرَنَا أنْ نَنْظُرَ إِلَى عاقبتهم. وَعَلَى هَذَا فالَّذِينَ يذهبون إِلَى دِيَارِ ثَمُودَ لِلتَّفَرُّج والتنزُّه هَؤُلَاءِ عُصَاةٌ، فالرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - يَقُول:"لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ"، فلا يجوز أنْ يذهبَ الْإِنْسَانُ فِي رحلة مثلًا إِلَى ذلك المكان إِلَّا إذا كَانَ يدخل وَهُوَ باكٍ