للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمّا عَلَى قراءةِ النصبِ {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩]، فنَقُول: عَلَى هَذِهِ القراءةِ يَجِب أن نُعرِبَ (ماذا) اسمَ اسْتِفْهامٍ مَفْعُولا مقدَّمًا لـ (يُنفِقون) لأَنَّنَا نَعرِف أن الجواب يَكُونُ مطابقًا للسؤالِ، فإذا كَانَ السؤال منصوبًا كَانَ الجواب منصوبًا، وهَذَا هُوَ الَّذِي يبيِّن لك الفرقَ بين الإعرابينِ.

وقوله: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني فِي الدُّنْيا، فيَكُون الله تَعَالَى وَبَّخَهُم عَلَى أمرينِ: أمر يَتَعَلَّق بالعقيدةِ، وَهُوَ قوله: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي}، وأمر يتعلق بالعَمَل وَهُوَ قوله: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؛ لِأَنَّ (ماذا كنتم تعملون) هَذِهِ اسْتِفْهامٌ لإنكارِ ما يعملونه، فيَكُون فِي هَذَا توبيخ عَلَى العقيدةِ والعَمَلِ، وستأتي - إن شاء الله - فِي هَذَا فائدة مُهِمَّة لمسألةٍ اختلف فيها الأصوليُّون نَبْحَثُها إنْ شاء اللهُ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: إثباتُ الحشرِ؛ لِقَوْلِهِ: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ} لِأَنَّ هَذَا عَلَى تقديرِ محذوف (اذْكُرْ يوم) لكِن اذْكُرْهُ لمجرَّد العلمِ والعقيدة، وكُلّ شيءٍ فِي الْقُرْآن لَيْسَ يُذْكَر لمجرَّد النظرِ أو لمجرَّدِ أن نَعْلَم به، بل هُوَ يُذكَر للاعتقادِ إنْ كَانَ عقيدةً، وللعملِ إن كَانَ عملًا.

الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يَحْشُر مِنَ الأُمم أفواجًا معيَّنة يَكُونون أُمَّة لباقيهم؛ لِقَوْلِهِ: {نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا} لَيْسَ كُلّ الأمم، بل فَوْج، وهَؤُلَاءِ الفوجُ هم أَشَدُّهم عَلَى الرحمنِ عِتِيًّا، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: ٦٩]، لأجلِ - والعِيَاذُ باللهِ - أن يُخْزَوْا خِزيًا أعظمَ، لِأَنَّهُم قادةٌ فِي الدُّنْيا فيَكُونون قادةً إِلَى النَّارِ فِي الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: ٩٨].

<<  <   >  >>