للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ نعمةَ الله عَلَى الوالدينِ نعمةٌ عَلَى الولدِ؛ لِقَوْلِهِ: {أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}، ولا سِيَّما نعمة الإِسْلام فإنَّها من أكبرِ النِّعَم عَلَى الولد، فلو مات طفلٌ وأبواهُ كافرانِ لكانَ هَذَا الطفلُ فِي الدُّنْيا فِي حُكْمِ الكَافِرِينَ، وَفِي الآخِرَةِ اللهُ أَعْلَمُ بحالِهِ، ولو مات طفلٌ بينَ أبوينِ مسلمينِ لكانَ هَذَا الطفلُ مُسْلِماً فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، وَعَلَى هَذَا فنعمةُ اللهِ عَلَى الوالدينِ ولا سيما فِي الدينِ نعمةٌ عَلَى الولدِ، وهَذَا هُوَ وجهُ قولِه: {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}.

الفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّ من العقلِ والعدلِ والشرعِ إضافة المِنَّة إِلَى المانِّ بها؛ لِقَوْلِهِ: {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ}، وهَذَا اعتراف، وأبلغ من أن يَقُول الْإِنْسَان: أَوْزِعْنِي أن أشكر النعمة فقط؛ لِأَنَّ قوله: {نِعْمَتَكَ} واضحٌ جِدًّا فِي خضوعِ هَذَا الْإِنْسَان بهَذِهِ النعمة العظيمة الَّتِي أنعمَ اللهُ بها عليه، فهَذِهِ فيها دليلٌ أَنَّهُ مِن العقلِ والعدلِ والشرع إضافة المِنَّة إِلَى المانِّ بها، حَتَّى ولو كَانَ آدميًّا، ومن الأشعار المعروفةِ عندهم (١):

إِنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْـ ... ـلَ مِنَ النَّاسِ ذَوُوهُ

معنى ذَوُوه: أصحابُ الفضلِ، لا يَعرِف الفضلَ إِلَّا أصحابُ الفضلِ، أَمَّا مَن لَيْسَ بأهلِ فضلٍ فإنهم يُنْكِرون الفضلَ، بل إنك لو تَفَضَّلْتَ عليهم لَرَأَوْا أن هَذَا حقٌّ واجبٌ عليك وليس لك مِنَّة، وأعظمُ شَيْء فِي هَذَا مَن يَمُنُّ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بما أنعمَ اللهُ به عليه كما فِي قِصَّة الأعرابِ، قَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: ١٧].

تنبيه: إنَّ للهِ تَعَالَى عَلَى الكافرِ نعمةً، لكِن النعمة المطلقة لا تكون إِلَّا بالإِسْلامِ.

الفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ الأَنْبِياء - عليهم الصَّلَاة والسلام - كغَيْرِهِم مُفْتَقِرُونَ إِلَى


(١) عيون الأخبار (٣/ ٢١٧).

<<  <   >  >>