للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُعالِجُه بما بَرَأ به غيرُه فِي نفسِ المرضِ ولا يَبْرَأ، فالكاشفُ للسُّوء هُوَ الله، وما للعبادِ إِلَّا فِعْل الأَسْبَاب فقطْ.

الْفَائِدَة الخَامِسَةُ: بَيَان قُدْرَةِ الله ونعمته أيضًا بجعلِ هَذِهِ الخَليقةِ خَليفة يَخْلُفُ بعضها بعضًا، وإلا لانقطعتِ الخليقةُ وانقطعَ النسلُ، أو بَقِيَتِ الخليقةُ أزمنةً متطاوِلَةً وتعاقبتْ عليها الأحداثُ وتوالتْ عليها الأُمُور، وحينئذٍ يَكُون فيها سَأَمٌ ومَلَل، فلولا هَذِهِ الخلافةُ وأن بعضهم يَخْلُف بعضًا لَلَزِمَ أحدُ أمرينِ: إمَّا انقطاع الخليقة؛ لِأَنَّهَا لا تَسْتَمِرّ بدون أن يَخْلُفَ بعضُها بعضًا، وَإمَّا أن تبقى الخليقة دائمًا وحينئذٍ يَكُونُ التعَبُ والسَّأَمُ والمَلَل، وقد جاء فِي ذلك قول الشاعر (١):

سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ ... ثَمَانِينَ حَوْلًا لَا أَبَا لَكَ يَسْأَمِ

وقال الشاعر الآخر (٢):

إِنَّ الثَّمَانِينَ وَبُلِّغْتُهَا ... قَدْ أَحْوَجَتْ سَمْعِي إِلَى تَرْجُمَانِ

ففي الحقيقةِ أن أطولَ الزمنِ فِي الْإِنْسَان يُضْعِفُه ويُلْحِقه السَّأَم والمَلَل، ثُمَّ هُوَ لا يزال يتذكر الأحداث الَّتِي تَتَعَاقَبُ وحينئذٍ يَضْجَر ولا يَكُون عنده قرارٌ نفسيّ ولا فكريّ، لذلك كَانَ من قدرة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ومن رحمته أيضًا أن جَعَلَنا خلفاءَ يَخْلُف بعضنا بعضًا، والجنُّ أيضًا يَخْلُفُ بعضُهم بعضًا؛ لِأَنَّ الجنَّ والإنسَ يموتون، فالآيَة عامَّة فِي هَؤُلَاءِ وهَؤُلَاءِ.

الْفَائِدَة السَّادِسَةُ: أنَّ كثيرًا منَ النَّاسِ لا يتذكَّر مَعَ وجود ما به التذكُّر؛ لِقَوْلِهِ:


(١) معلقة زهير بن أبي سلمى.
(٢) البيت لعوف بن محلم السعدي، الحماسة البصرية (١/ ١٨٨).

<<  <   >  >>