الْفَائِدَة الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أن الإِسْلامَ والإِيمانَ شيءٌ واحد، لِأَنَّ قوله:{أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فلَا شَكَّ أن ما أُمِرَ به هُوَ أعلى الحالاتِ، وَهُوَ الإِيمانُ، ولكِن هَذِهِ المسألة -وهي: هل الإِسْلام هُوَ الإِيمان أو لا- فيها أيضًا عِراك بين أهل السنّة والجماعة أنفسهم، وبينهم وبين الأشاعرةِ، والصَّواب أن يقال: إن الإِسْلام عندَ الإطلاقِ يَشمل الإِيمانَ، والإِيمان عندَ الإطلاقِ يشملُ الإِسْلامَ، وَأَمَّا عند التقييدِ وأن يُقْرَنَ بينهما فَإِنَّ الإِيمان يَكُون ما وَقَرَ فِي القلبِ، والإِسْلام ما قامتْ به الجوارح؛ لِأَنَّ الإِسْلام منْ الاستسلام، وَهُوَ عدم المعارضة، بل الموافقة، فالمنافقون الَّذِينَ لا يُظهِرون معارضةً نسميهم مسلمينَ، لكِن لا نسميهم مُؤْمِنيِنَ؛ لعدم وجودِ الإِيمانِ فِي قلوبهم.
ومن النَّاس من يَكُون وسطًا، قَالَ تَعَالَى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: ١٤]، قال: لمّا يَدْخُلْ، ما قَالَ: لم يَدْخُلْ، ليفيد أن الإِيمانَ قريبُ الدخولِ فِي قلوبهم، لَكِنَّهُ لم يدخلْ، إِنَّمَا هُوَ قريبٌ.