الْفَائِدَة السَّادِسَةُ: أَنَّهُ لا بأسَ للإِنْسَانِ أنْ يَتَدَرَّجَ مَعَ خَصْمِهِ، وأنْ يَتَحَدَّاهُ بما يُقِرّ به، وهَذَا غاية الإنصافِ أن تقولَ لِخَصْمِك: هاتِ الدَّليلَ؛ لِأَنَّ هناك حالًا أُخرى ليست إنصافًا؛ وهي أن تقولَ لخصمك: لا أقبلُ منك أبدًا، فأنت إذا قلتَ للخصمِ: هاتِ الدَّلِيلَ إن كنت صادقًا فقد أنصفتَه وتحدَّيْتَه أيضًا، وحينئذٍ يَظهَر عَجْزُه، لكِن لو قلتَ: لو أتيتَ بأيِّ دليلٍ ما قَبِلْتُ؛ فمعناه أنك جعلتَ العلوَّ له، والْآنَ هُوَ ينتصر عليك وأنت تَنْخَذِل أمامَه، مَعَ أنك الْآنَ فِي هَذَا الوصفِ تكون مستكبِرًا.
لكِن لو فُرض أَنَّهُ ظهر عنادُ هَذَا الرجلِ وَأَنَّهُ إِنْسَانٌ يماري ولا يقصد الحقَّ، هل لك أن تقولَ: أنا لا أقبلُ منك، يعني مثلًا افرِض أنك استدللتَ عليه بآيَةٍ من الْقُرْآنِ أو بنصٍّ صريحٍ من السنَّة وصحيح، ثُمَّ جعل يُجادِلُك فِي هَذَا الأَمْرِ، لو قَالَ مثلًا: الربا حلال ومصلحة عظيمة يَنتعِش به الاقتصاد والنَّاس يتحرَّكون، فما الَّذِي يُحَرِّمه؟ تقول له: حَرَّمَهُ قوله تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥].