للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهَذَا يَجِب عَلَى العاقلِ أن يَكُون حَذِرًا دائما، ولستُ أدعو فِي قولي هَذَا إِلَى سوء الظن باللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولكِني أدعو إِلَى النظرِ فِي الأُمُورِ ليَكُونَ تَصَرُّفنا عَلَى وجهٍ سليمٍ.

ولكِن مَعَ ذلك أقول: إنَّهُ إذا تجاوز الْإِنْسَان هَذِهِ الفتنةَ حصلَ له الثباتُ والاستقرارُ؛ لِأَنَّهُ يطمئنّ قلبُه ويرسُخ فِي هَذِهِ الأُمُورِ ولا يَزيغ بإذن الله بَعْد ذلك، لكِن قد يُفْتَن المرء، فلْينظُرْ، ولهَذَا قَالَ: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تُفتنون بالخيرِ والشرّ، ووجهُ الفتنةِ فِي هَؤُلَاءِ: البلاء الَّذِي أصابهم بسببِ دعوةِ صالحٍ إِلَى عبادةِ اللهِ فَكَفَرُوا فعُوقِبُوا، فهَذه من الفتنِ؛ لِأَنَّهُم قالوا: أنت سَبَبُها، وَفِي الحقيقة أن أَسْبابها هم أنفسهم، ففُتِنُوا بذلك.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: بَيَان مَسْلَكِ المكذِّبين للرسلِ؛ أَنَّهُم يسلكون مسالِكَ التشبيهِ والتمويهِ؛ لِقَوْلهِم حين أُصيبوا بالجدبِ والقَحْط: {اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}، مَعَ أن هَذَا الأَمْر من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَيْسَ بأَسْبابِ النبيِّ، وهكَذَا أهلُ الباطلِ يُشَبِّهون ويُلبِّسون عَلَى النَّاس بمثل هَذِهِ الأُمُور.

الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: أنّ المصائب الَّتِي تُصيب الْإِنْسَان إِنَّمَا هِيَ من اللهِ تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ: {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ}، ولا ينافي هَذَا قولَه تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠]، ولا قولَه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: ٤١]؛ لِأَنَّ نِسبة هَذِهِ الأُمُورِ إِلَى اللهِ نسبة خَلْقٍ وإيجادٍ، ونسبتها إِلَى المخلوق نسبةُ تسبُّبٍ، فهي تُضافُ إِلَى النَّاس إضافةَ الشَّيْءِ إِلَى سببِهِ، وتُضاف إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إضافة المخلوق إِلَى خالقِه، وَعَلَى هَذَا يزول إشكالُ كثيرٍ منَ الآيَاتِ الَّتِي ظاهرها التعارُض فِي هَذَا البابِ.

<<  <   >  >>