للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَة السَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ عندهم بُرهان؛ لِقَوْلِهِ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؛ لِأَنَّهُ لو كَانَ ثمّة برهان لم يكن للتحدي فائدة إِطلاقًا، وبهَذَا نَنتقِل إِلَى آيَةٍ أخرى؛ وهي قوله تَعَالَى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: ٣٣]، فقد أعلى بعضُ النَّاس صوتَه بهَذهِ الآيَة حينما قَالُوا: إن الْكُفَّار وصلوا إِلَى القمرِ، وقال: هَذِهِ الآيَة دليلٌ صريح صحيحٌ واضحٌ ظاهر عَلَى أَنَّهُ يمكن الوصول إِلَى القمر؛ لِقَوْلِهِ: {لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} والسلطانُ: العلمُ، هَكَذَا قال.

فيقال له: يا غبيُّ، مَن قَالَ لكَ: إن السلطانَ العلمُ، فالسلطان ما به السُّلْطَة، وَهُوَ فِي كُلّ موضعٍ بحِسَبِهِ، فإذا كنتَ تجادل فِي مسألةٍ علميةٍ فالسلطان العلم، وإذا كنت تريد أن تقطع يد لِصٍّ فالسلطان القدرة عَلَى تنفيذِ قطعِ يدِه وَلَيْسَ العلم، وإذا كنتَ تريد أن تصعدَ مكانًا مرتفعًا فالسلطان الْقُوَّة، فالسلطان فِي كُلّ مكان هُوَ عبارة عن السلطة عَلَى الشَّيْءِ. فالآن قوله تَعَالَى: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: ٣٣]، ما معنى السلطان؟ الْقُوَّة والقدرة، ولهَذَا قَالَ: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن: ٣٥]، فهل هَؤُلَاءِ أُرسل عليهم شُواظٌ من نار ونُحاس؟ ! والآيَة {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} جميعًا، فهل هَؤُلَاءِ نفذوا من أقطار السَّماوَات والْأَرْض؟ ! هَبْ أَنَّهُم نفذوا من أقطار الْأَرْض لكِن ما نفذوا من أقطار السَّماوَات.

ثُمَّ إنَّ الآيَة لو كانتْ دالَّة عَلَى ذلك لكان هَذَا التحدي لا معنى له إذا كانوا يستطيعون، لماذا يقال: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ}، فالشَّيْءُ المستطاعُ ما يُعْرَض بِمَعْرِض التحدِّي.

<<  <   >  >>