للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّهُ يَنبغي للمتكلِّم أنْ يُؤَكِّدَ الخبرَ للمخاطَب عندَ الحاجةِ إليه؛ لِقَوْلِهِ: {بِنَبَإٍ يَقِينٍ}.

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: ما فائدةُ تأكيدِه له وَهُوَ مَصْدَرُ الخبر؛ لِأَنَّ التأكيد إِنَّمَا يُفيد إذا جاءَ من طرفٍ آخرَ يَكُون شاهدًا للمخبِر، فأمَّا نفسُ المخبِر فكيف يقالُ: إن فِي تأكيدِه للخبرِ فائدة؟

فالجواب: أنَّ المقصودَ من ذلك زيادة طُمأنينة المُخْبَر؛ وله فائدةٌ، فإذا أخبركَ المخبِرُ بخبرٍ قد تقولُ له: هل أنتَ متأكِّدٌ؟ فيقول: نعم أو لا، فإذن تأكيد المُخْبِرِ لخبرِهِ لا يقال: إنَّهُ لا فائدةَ منه؛ لِأَنَّهُ هُوَ مصدرُ الخبرِ، بل نَقُول: فِيهِ فائدةٌ، وهي رفعُ توهُّم المُخْبِر فِي خَبَرِه، فَيَرْفَع هَذَا التوهُّم وَيطْمَئِنّ المخاطَب.

الفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن استعمالَ ضَميرِ الجمعِ للمخاطَبِ المعظَّم لَيْسَ بلازمٍ، وَلَيْسَ من شأنِ خِطاب الأَنْبِياء والسَّلَف أَنَّهُ عندما يَكُون الْإِنْسَان معظَّمًا يَقُول: أتيتكم، جئتكم، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كما هُوَ المعتاد الْآنَ عندنا.

فعندنا إذا كَانَ المخاطَب مُعَظَّمًا يقال: كما تريدون مثلًا سعادتكم أو سماحتكم أو سيادتكم أو فضيلتكم أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وهَذَا لَيْسَ معتادًا بمَن سَبَقَ، وإنما يخاطب الْإِنْسَان بما تَقتضيه حالُه، حَتَّى إن النَّبِيّ عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يردُّ السلامَ عَلَى المُسَلِّم بِقَوْلِهِ: "عَلَيْكَ السَّلَامُ" (١)، فإذا سلم عليه أحد يَقُول: وعليك السلامُ، وإذا كانوا جماعة يقال: عليكم السلام، فمن عادة السلفِ أَنَّهُم يخاطبون أو يتكلمون مَعَ المخاطَب بما تَقْضِيهِ حالُه.


(١) رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب من رد فقال: عليك السلام، حديث رقم (٥٨٩٧)؛ ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كُلّ ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، حديث رقم (٣٩٧)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>