للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: إثبات كلامِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ: {نُودِيَ}، والنداء لا يَلْزَمُ منه القُرْب أو البُعْد، فقد يَكُون الله ناداه من بعيدٍ ثُمَّ قَرَّبَهُ نَجِيًّا كما قَالَ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: ٥٢].

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: الفِعْل هنا مبنيٌّ للمجهولِ، لم يُبَيَّن مَنِ المنادِي، فلا دليلَ فِيهِ عَلَى كلام الله، فما الجوابُ؟

أولًا: التصريح فِي آيَاتٍ أُخرى، وثانيًا: أيضًا قوله فِي سياق الكَلامِ: {يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: ٩].

الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: أنَّ كلامَ اللهِ تَعَالَى بصوتٍ؛ لِقَوْلِهِ: {نُودِيَ} والنداء لا يَكُون إِلَّا بصوتٍ، ففيه ردٌّ عَلَى طائفتينِ تَقَدَّمَ قولهما: الأشاعرة وَالْكُلَّابِيَّة، الَّذِينَ يَقُوُلونَ: إن كلامَ الله تَعَالَى معنًى قائمٌ بنفسِهِ، وهَذَا القَوْل باطلٌ بأوجهٍ كثيرةٍ.

الْفَائِدَةُ الْثَّالِثَةُ: أَنَّهُ ينبغي إيناس المُسْتَوْحِش، فيَنبغِي أن تقول له أو تفعل معه ما يُؤْنِسُهُ لِيَطْمَئِنَّ، ويَكُون قابلًا لما يُلْقَى إليه؛ لِأَنَّ المستوحِشَ لا يَقبل ما يُلقى إليه، بمعنى: أَنَّهُ لا يَتمَكّن من قبوله؛ لِقَوْلِهِ: {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} فإنَّ إثباتَ البركةِ لمِن فِي النَّار ومن حولها يَزداد به طمأنينةً بلَا شَكّ، ولهَذَا أوَّل ما خاطبهُ الله فِي هَذِهِ الآيَة قَالَ: {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا}.

الْفَائِدَةُ الْرَّابِعَةُ: وفيه دليل عَلَى تنزيهِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عمَّا لا يَليق به؛ لِقَوْلِهِ: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ}.

الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: وفيه دليلٌ عَلَى عمومِ رُبُوبِيَّة اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وهل معه ربٌّ آخَرُ؟

<<  <   >  >>