للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عمَّا لا يليق به، وأن هَذَا الأَمْر الَّذِي رأيتَ والكَلامَ الَّذِي سمِعتَ ما هُوَ إِلَّا كلامُ ربِّ العالمينَ، فسبحانَ الله ربّ العالمينَ.

فعلى هَذَا تكون الجملة الخبريَّة هنا من حَيْثُ المَعْنى طَلَبيَّةً، أي: سَبِّحِ اللهَ ربَّ العالمينَ عمَّا لا يَلِيقُ به، وإذا قُلْنَا: إِنَّهَا عَلَى ظاهرها صارَ معناها ثناءً مِنَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- المُكَلِّم المنادِي عَلَى نفسِه، فأيّ المعنيينِ أشملُ؟ الأوَّل: أي أنَّها طَلَبِيَّة؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّن إذا أُمِرَ بها موسى أن اللهَ أهلٌ لها، فهَذَا هُوَ الجبَر، وتَتَضَمَّن الزيادة الثانيَةَ، وهي تعجيبُ موسى عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ واعتقاده بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عن كُلِّ عَيبٍ.

وقوله: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ما معنى الربِّ؟ المالِك المتَصَرِّفُ، لَكِنَّها أيضًا مُتَضَمِّنة لمعنى أدَقَّ وَهُوَ التربيَة، فَهُوَ يُرَبِّي مَعَ كونه مُدَبِّرًا خالقًا مُتَصَرِّفًا، و (العالمين): كُلّ مَن سِوَى الله فَهُوَ من العالمين، وسُمُّوا عالمَينَ قيل: لِأَنَّهُم عَلَم عَلَى خالقِهم ودليلٌ عليه؛ فإنَّ كُلّ ما فِي الكونِ شاهدٌ بوَحْدَانِيَّة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وبما تقتضيه هَذِهِ الأكوانُ من معاني رُبُوبيتهِ.

وقوله: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} معناها أَنَّهُ يربِّي عبادَه تَرْبِيَةً حِسِّيَّة ومَعْنَوِيَّة، فالتَّرْبِيَة الحِسِّيَّة نَضرب لها مثلًا بالْإِنْسَان، كونه فِي الخِلْقَة يَتَطَوَّر من شيءٍ إِلَى شيءٍ عَقلًا وجِسمًا وفِكرًا، فهَذِهِ تربيَة، ولو فَرَضْنا أن هَذَا الطفلَ الصغيرَ عَقْلُه كالكبيرِ، فلا يمكن أن يعيشَ؛ لِأَنَّهُ لا يَتحمَّل الأَشْيَاء الَّتِي تُقابله، مثلًا لو تركته أُمُّه وذهبت عنه لا يَستقِرّ أبدًا، وبدأ يُدبِّر ويقول: افعلوا كذا وافعلوا كذا، وكذلك بالعكسِ لو كَانَ الكبير بعقلِ الصغيرِ ما استطاعَ أن يعملَ شيئًا، وهَكَذَا أيضًا الطعام يأتي إِلَى الْإِنْسَان شيئًا فشيئًا، فهَذَا من التربية الحسِّيَّة. وبالنِّسْبَة للتربية المعنويَّة فظاهرٌ أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرَبِّي عبادَهُ بالعلمِ النافع شيئًا فشيئًا.

<<  <   >  >>