قوله:{جَحَدُوا} الضَّميرُ يعودُ عَلَى فِرعونَ وقَومه، والجحْدُ: الإنكارُ، و (جحد) يَتَعَدَّى بنفسِهِ، ولكِنَّه قد يُضَمَّنُ معنى التكذيبِ فيَتَعَدَّى بـ (الباء)، {وَجَحَدُوا} مكذِّبين بها. فهنا الجحد ضُمِّن معنى التكذيبِ، ولهَذَا تعدى بالباء. وذلك لِأَنَّ الجحدَ قد يَكُونُ تكذيبًا وقد يَكُونُ مراعاةً لمصلحةٍ مِنَ المصالِحِ.
والجَحْدُ أَسْبابُه مُتَعَدِّدَةٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقُولُ لَكَ قَائِل: ماذا فعلت؟ فتجحد لمصلحةٍ تريدها، لا تَكذيبًا، ولكِنَّه هنا تكذيب، أي: جحدهم هَذَا تكذيب. والدَّلِيلُ: أَنَّهُ عُدِّي بالباءِ، وَالَّذِي يُعَدَّى بالباءِ هُوَ التكذيب، {وَجَحَدُوا بِهَا} أي: كذَّبوا بها جحدًا، فهم كذَّبوا ومع ذلك ما أظهروهُ.
ولهَذَا يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ:[لَمْ يُقِرُّوا بها]، ولم يُقِرُّوا بها معناه هُوَ التكذيب، والمُفَسِّر أتى بـ (لم يقروا) لأمرينِ:
والأَمْر الثاني - على رأيه -: لأجل أن لا يَتَضَمَّن ذلك إخفاءَها لمِن طَلَبَها، فكَأَنَّ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ جعل الجَحْدَ نفيَ الإقرارِ، ولَكِنَّنا لا نُوَافِقُه عَلَى هَذَا التفسيرِ: