للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ الفاعل غيرُ الشاهدِ، وهَذَا المسألةُ تَوْرِيَة كما تقدَّم، وإلَّا فمِنَ المعلومِ أنَّ مَن فعلَ فقد شَهِدَ، بل أبلغ، لكِن يُهَوِّن بعضهم الأَمْرَ عَلَى بعضهم حَتَّى لا يَكُون فِي أنفسِهِم شيءٌ، لكِن لتهوينِ الأَمْر عَلَى بعضهم يلقِّن بعضهم بعضًا.

والحاصل: أن هَؤُلَاءِ - والعياذ بالله - أرادوا هَذَا الفِعْل المنكَرَ وَهُوَ مَكْر؛ لِأَنَّهُ إتيانٌ لصالحٍ وأهلِهِ من حَيْثُ لا يَشْعَرُونَ، فإن الليلَ مَوْضِع السكونِ والهدوء، وإذا أحد اعْتَدَى عَلَى أحدٍ صار ذلكَ غَدْرًا ومَكْرًا، ولهَذَا حَتَّى فِي حربِ الْكُفَّار اختلفَ العُلَماءُ هل يجوزُ تَبْيِيت الْكُفَّارِ أو لا يجوز؟

فمِنَ العُلَماءِ مَن مَنَعَ التبييتَ وقال: لا يمكِن أن نقتلَ الْكُفَّار وهم غارُّونَ نائمون، ومنهم مَن أجازَ ذلكَ، والمسألةُ تَحتاج إِلَى تحرير بَحْث فِي هَذَا.

والحاصل: أن هَذَا منَ الغَدْر والمكْر أن يأتيَ هَؤُلَاءِ إِلَى صالحٍ وأهلِهِ فِي الليلِ فيُبَيِّتُوهم، ولهَذَا يقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا} [النمل: ٥٠].

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: أَنَّهُ مِنَ الحزْم - والحزمُ قد يَكُونُ فِي الخيرِ وَقد يَكُونُ فِي الشرِّ - أنْ تَجْتَمِعَ الطائفةُ وتَتَعَاقَد وتتعاهَد عَلَى مِنهاجها الَّذِي تَسير عليه وتَتَّفِق عَلَى عهدٍ يَرْبِط بَعْضَها ببعضٍ لِيَكُونَ التنفيذُ واحدًا، ولئلَّا تَتَفَرَّقَ وتَخْتَلِف، لِقَوْلِهِ: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ} ما ذهب كُلّ واحدٍ مَذْهَبًا، فاجْتَمَعُوا فِي أوَّل الأَمْرِ عَلَى تدبير الخُطَّة ثُمَّ عَلَى تَنفيذِها، وهَذَا المَسْلَكُ لا زالَ يُسْلَك حَتَّى الآنَ. وتعرفون أنَّ الصحيفةَ الَّتِي اجتمعتْ قُرَيْشٌ فيها عَلَى مقاطعة بني هاشمٍ لم تُنْقَضْ برجلٍ واحدٍ، بل ذهب هَذَا الرجلُ الَّذِي أرادَ نَقْضَها إِلَى فلانٍ وفلانٍ وصارَ يُجَمِّعُ النَّاسَ حولَه حَتَّى اجتمعوا عَلَى نقضها وغلبوا فِي تنفيذ فِكرتهم.

<<  <   >  >>