الْعَامَّة يَقُولُونَ أَشْيَاءَ يَعتقدونها من الْقُرْآن، فنحنُ نُثْبِت الأَسْبَابَ ولكِن ما نَقُول: إن الله فِي الْقُرْآن ذكرَ أن لكلِّ شَيْء سببًا، إِنَّمَا الْقُرْآن مملوء من إثباتِ الأَسْبَاب.
فهِمنا من هَذَا أن إثبات الأَسْبَاب هُوَ مَذْهَب أهل السنَّة والجماعة، فهل أحد من أهل البِدع يخالفهم فِي ذلك؟
نَقُول: الجَبْرِيَّة والأشاعرةُ لا يُثْبِتُون الأَسْبَاب، وَيقُولُونَ: إن فعلَ اللهِ تَعَالَى لمُجَرَّدِ المشيئةِ، والمُعْتَزِلة عَلَى العكسِ مِن هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أن الأَسْبَاب مُوجبة، ولهَذَا يَقُولُونَ: إن الله يَجِب عليه فِعْل الأَصْلح والصلاح.
والصَّوابُ أن نَقُولَ: إن المعقول والمنَقُولَ يَدُلّ عَلَى أنَّ الأَسْبَاب مؤثِّرة، ولكِن بأمرِ اللهِ، وكم من سببٍ كَانَ مؤثِّرًا ثُمَّ لم يَنْفَعْ إذا لم يرد الله تَعَالَى أن يمثل هَذَا الشَّيْء.
الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: أن الله تَعَالَى لا يَظْلِم النَّاس شيئًا، ولكِن النَّاس أنفسهم يظلمون؛ لِقَوْلِهِ:{بِمَا ظَلَمُوا}، يَعْنِي: فهَذَا الأَمْر الَّذِي نزل بهم سببُ ظُلْمِهِم، ولم يَظْلِمْهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الْفَائِدَة الرَّابِعَةُ: أن للناسِ فِي يومِ القيامةِ أحوالًا، فهم أحوال مختلِفة؛ لِقَوْلِهِ:{فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} لِأَنَّ الله ذكر فِي بعض الآياتِ أَنَّهُم يَنطِقون ويدافعون، يَقُولُونَ:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٢٣]، ويقول تَعَالَى:{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء: ٤٢]، فأنت الْآنَ لا يمكن أن تجمعَ بين هَذِهِ الآيَاتِ إِلَّا إذا قلتَ: إن النَّاس لهم أحوال، حال يمكنه الكَلام، وحال لا يمكنه فِيهِ الكَلام، وبهَذَا يتآلَفُ الْقُرْآن وَهُوَ مُؤْتَلِف.