للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهَذَا يَصْلُحُ أن أقول له: لا أقبلُ منك مهما جئتَ به؛ لِأَنَّهُ مجادِلٌ لا يريد الحقَّ، فالشَّيْء الذي فِيهِ نصٌّ صريح واضح المجادلةُ فِيهِ غيرُ مقبولةٍ.

ولهَذَا لما قَالَ أبو سفيان فِي أُحُد: هل فيكم مُحَمَّدٌ، وفيكم ابنُ أبي قُحَافَة، هل فيكم ابنُ الخَطَّاب؟ قَالَ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُجِيبُوهُ"؛ إهانةَّ لَه، لكِن لمَّا قَالَ: اعْلُ هُبَل، وصار يُجادِل بالباطلِ لِيُعْلِيَه عَلَى الحَقّ وصار هَذَا فِيهِ تشبيهٌ - لِأَنَّ الشُّبْهَة قائمة فِي هَذَا المكان، فوجه قيام الشبهة أن الانتصارَ كَانَ لهم، فمَن سمِع هَذَا الكَلام قَالَ: صحيح هُبَل الْآنَ اعتلى - فَكَانَ من المناسِبِ هنا أن تُزال هَذِهِ الشبهة فيقال: "اللهُ أَعْلَى وَأَجَلّ" (١).

أَمَّا قوله الأوّل فرأى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أن مِنَ المصلحةِ أنْ يُهْجَرَ وأن لا يجابَ، وأيضًا أجابه عمر لما قَالَ: "أمَّا هَؤُلَاءِ فقد كُفِيتُمُوهُمْ" (٢)؛ لِأَنَّهُ الْآنَ صارتِ الشُّبهة لِأَنَّهُم إذا لم يتكلموا وقد قَالَ: "أما هَؤُلَاءِ فقد كُفيتموهم"، فتقوم الشبهة أمامَ النَّاسِ وَيقُولُونَ: صحيحٌ، لو هم أحياء لأجابوا، فحينئذٍ صار الجوابُ له مَحَلّ، وَفِي الحقيقة ليست هَذِهِ المسألة شَبيهةَّ بَمسألتنا، وكنتُ أظنُّ أَنَّهَا شَبيهة بها.

إِذَنْ: في الآيَة دليلٌ عَلَى أَنَّهُ فِي مقامِ المناظرةِ يَنبغي للإِنْسَانِ أنْ يُطالِبَ الخَصْمَ بالدَّلِيل؛ لِأَنَّ فِي ذلك فائدتينِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: إظهار العدلِ والإنصافِ: هاتِ دليلًا نَتَّبِعك، فهَذَا عدلٌ وإنصاف.


(١) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه، حديث رقم (٢٨٧٤)، عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -.
(٢) رواه النسائي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب التعبئة، حديث رقم (٨٦٣٥)؛ وأحمد (٤/ ٢٩٣) (١٨٦١٦)، عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>