قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص: ٢٢]. وَكَانَ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لا يَعْرِفُ شيئًا، فهداه اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولهَذَا بعضُ العُلَماء يستعمل هَذِهِ الآيَةَ إذا ضاعَ فِي البرِّ أو فِي البلد إذا كَانَ يبحثُ عن بيتِ شخصٍ ولم يهتدِ إليه، فيتلو هَذِهِ الآيَة:{عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}[القصص: ٢٢]، وَهُوَ دعاءٌ مناسبٌ.
إِذَنْ: مِنَّة الله عَلَى الهداية فِي ظُلمات البرّ والبحر، سواءً كَانَ ذلك بالأَسْبَاب المشاهَدة، أو كَانَ ذلك بالإلهامِ، فإنَّ الله تَعَالَى يَمُنُّ عَلَى العبادِ بهَذَا وبهَذَا.
الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَجِب عَلَى الْإِنْسَان أن يَعتمدَ عَلَى اللهِ فِي الهدايةِ إِلَى الطريقِ الحِسِّيِّ، كما يعتمد عليه فِي الهداية إِلَى الطريقِ المعنويِّ، فكما أنك تقول:(ربِّ اغفِرْ لي وارحمني واهدني) تريد الهداية المعنوَّية، كذلك أيضًا اعتمدْ عَلَى ربِّك فِي الهدايةِ الحِسِّيَّة. ولا تعتمد أيضًا عَلَى الأَسْبَابِ؛ لِأَنَّهُ كم من أُناسٍ أهل معرفةٍ وَجُودٍ بالدلائلِ ومع ذلك لا يَهتدونَ.
وقد حدَّثني رجلٌ أثِق به يَقُول: إنَّهُ ذهب من عنيزة إِلَى بريدة فِي حاجةٍ قبل أن تظهرَ السيَّارات، حَيْثُ إن أحد التجار فِي عنيزة أعطاهُ كتابًا إِلَى أحدِ التجّار فِي بريدة، وقال له: احرِص عَلَى أن توصِلَه سريعًا، يَقُول: فصليتُ المغربَ خارجَ البلدِ بعنيزة، وذهبت من طريقٍ يسمى طريق الخلا مختَصَر، يَقُول: وصلتُ مَعَ أذانِ الأخيرِ، يعني ساعةً ورُبُعًا تقريبًا، وَهُوَ يسيرُ عَلَى رِجليه؛ لِأَنَّ بعض النَّاس جيِّد وَيرْكُض. يَقُول: وصليتُ فِي المَسْجِد؛ مسجد الساقية الَّذِي فِي بريدة، وانتظرتُه حَتَّى خرج وتبِعته، وقلتُ له: هَذَا خطٌّ من فلان. قَالَ: ادخلْ نَشْرَب القهوة، فقلت له: أريد أن أمشيَ. قَالَ: لا. فلزَّم عليَّ فدخلتُ، فجَعَلوا يصنعون القهوة، فقال: متى خرجتَ من عنيزة؟ قلتُ: خرجت مِنْهَا المغربَ. فقال أخوه: واللهِ أخي هَذَا أجودُ