للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- صلى الله عليه وسلم -. فقال: هاتِ مَن يَشْهَدُ لكَ. فشَهِد له مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ (١)، فمِثل هَذِهِ الحالِ وإنْ كَانَ الخبرُ مُتيقَّنًا لكِن لا مانعَ أنْ يَتَثَبَّتَ الْإِنْسَان فِي ذلكَ.

الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يَنبغي للإِنْسَانِ أنْ يَكُونَ لَبِقًا فِي تعبيرِه، حَتَّى لغيرِ الآدَمِيّ؛ لِقَوْلِهِ: {أَصَدَقْتَ} [النمل: ٢٧]، فصارحَهُ هنا بلفظِ الصدقِ؛ لِأَنَّ الصدقَ صفةٌ محبوبةٌ محمودةٌ، وِفي الكذِب ما قَالَ: (أنْ كذبتَ) بل قَالَ: {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: ٢٧]، فتحاشَى أنْ يُصارِحَه بوصفِ الكذبِ، مَعَ ما فِي ذلكَ بالنِّسْبَةِ للقرآنِ الكريمِ، فِي مراعاةِ الفواصلِ فِي قولِهِ: {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: ٢٧]، لِأَنَّ فِيهِ مراعاةً للفواصلِ.

وقول المُفَسِّر: إن هَذَا أبلغ من [أن كذبت] هَذَا له وجهٌ؛ لِأَنَّ قوله: {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: ٢٧]، أي: من المتَّصفينَ بالكذِبِ دائماً، يَعْنِي: ممَّن وَصْفُه الكذِبُ، وَلَيْسَ مَن كَذَبَ مرةً واحدةً كمَن كَانَ الكذِبُ وَصفًا له، فيَكُون العدولُ هنا عن: [أنْ كذبتَ] له ناحيتانِ:

الناحية الْأُوْلَى: أَنَّهُ ألطفُ منَ التصريحِ بالمخاطَبَةِ بالكذِبِ.

الناحية الأُخْرَى: هِيَ أشدُّ؛ حَيْثُ إِنَّهَا تدلُّ عَلَى اتِّصافِ المخاطَبِ بالكذبِ، لا أَنَّهُ وقع منه مرَّةً واحدةً، فالمُفَسِّر راعَى وجهًا وتركَ وجهًا آخرَ، والصَّوابُ أَنَّهُ مراعى فيها الوجهانِ جميعاً.

الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: في قوله: {سَنَنْظُر} جواز تعظيم الْإِنْسَانِ إذا كَانَ أهلًا لذلك، عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ أرادَ أَنَّهُ يَنْظُرُ ذلك بمَن يستعين به من جنوده،


(١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب الخروج في التجارة، حديث رقم (١٩٥٦)؛ ومسلم، كتاب الآداب، باب الاستئذان، حديث رقم (٢١٥٣).

<<  <   >  >>